الخميس، 28 ديسمبر 2017

حفظ النعم

حفظ النعم



تمهيد:- حينما تتكاثر عليك الهموم ، وتتحمل شدائدها ، وتصبر عليها صبرا جميلا ، وتتقي الله في سرك وعلانيتك ، فاعلم أن الله سيأتيك بنعمة في ساعة من ليل أو نهار لم تكن تتخيلها.
قال تعالى:{وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}.(1)
وهذه النعمة قابلة للبقاء ، وقابلة للزوال كذلك.
ولبقائها وعدم زوالها عليك بأمور سبع تَتَبَّعَهَا والتزمها.
ولكن اعلم في البداية أن النعمة نوعان:-
أ - ظاهرة:- تتلمس جوهرها.
ب - باطنة:- تدرك أثرها ولا تحيط كنهها.
قال تعالى:{وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}.(2)
وللمحافظة على النعمة أيا كان نوعها فعليك بالخطوات السبعة الآتية.
الخطوات السبعة للمحافظة على النعم
1 – عليك بحمد الله والثناء عليه وعدم الإعراض عن ذكره:-
فالله من أعطاك هذه النعمة ، فهل من الطبيعي أن لا تحمده عليها؟.
غير أن الحمد أفضل من النعمة نفسها:-
فها هو أبي أمامةَ رضي الله عنه يقول: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ما أنعم اللهُ عزَّ وجلَّ على عبدٍ نعمةً، فحمِدَ الله عزَّ وجلَّ عليها؛ إلا كانَ ذلِكَ أفْضَلَ مِنْ تِلْكَ النِّعمةِ}.(3)
وعندما تجد النعمة تأتيك بكل خير ، أو تتجدد ، فاجعل لسان الحال والمقال:- ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
فإن كانت النعمة في راتبك:- فعندما تأخذه قل ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وإن كان مولودا:- فما شاء الله لا قوة إلا بالله قولك.
وعندما ترى خطيبتك ، أو زوجتك المستقبلية ، أو تعب الزوجة في طلب رضاك:- فاجعل قولك ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
وعندما تحصد ما زرعت:- فكذلك.
فإن السبب الرئيسي في هلاك جنتي صاحبهما هو:- كفره بالساعة ونسيانه حقيقة المنعم.
فكان نداء صاحبه له:- {وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ}.(4)
وأما عن عدم الإعراض عن ذكره:- فلأنه يأتيك بالحسرة والندامة والبؤس والضياع واختفاء النعم وضياعها.
قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}. (5)
2 – عليك بشكر الله:-
لأنه سبب كبير في استجلاب البركة في هذه النعمة:-
فهو القائل:{لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}.(6)
فيبارك الله لك فيها.
*فاحمد ربك واشكره على نعمته التي وهبها لك تُحْفَظ النعمة وتدوم ، أما إن كنت من الذين يجحدون نعمة الله فإن عذاب ربي لشديد.
ولنا في قصة قارون العظة والعبرة إذ قال:{إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي}(7) فكان جزائه:{فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ}.(8)
وَمِن شُكر الله تعالى على نعمه:- أن يرى آثارها ظاهرة عليك.
فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إِنَّ اللَّهَ يُحِب أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِه}.(9)
على أن لا يكون اظهار أثر النعمة نابعا من كبر أو استعلاء أو تفاخرا وتعييرا لمن فقدها.
فقد ورد في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِى قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ » قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً ، قَالَ «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ»}.
3 – عليك بالطاعة وترك المعصية:-
وإن أردت أن تحافظ على النعمة فعليك بطاعة الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه ، وأكثر من الاستغفار يبارك لك فيها ويمنحك المزيد.
فقد قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام:{فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (12)}.(10)
واحذر من المعصية فهي:- تبعدك عن الله ، وتوصلك إلى الندامة ، وضياع النعم.
قال عبد الله بن المبارك:-
رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوب ... ويتبِعُها الذلَّ إدمانُها
وتركُ الذنوب حياةُ القلوبِ ... وخيرٌ لنفسكَ عصيانُها.
وقد أحسن القائل حينما قال:-
إِذَا كُنْتَ فِي نِعْمَةٍ فَارْعَهَا ... فَإِنَّ الذُّنُوبَ تُزِيلُ النِّعَمْ
وَحُطْهَا بِطَاعَةِ رَبِّ الْعِبَا ... دِ فَرَبُّ الْعِبَادِ سَرِيعُ النِّقَمْ.
فإن أردت أن تحافظ على النعمة التي أكرمك الله بها فعليك بالطاعة ،واهجر الذنب والمعصية.
4 – لا تذكر النعمة لأحد إلا إذا أردت استشارته:-
وإذا أردت أن تحافظ على النعمة فلا تذكرها لأحد وذلك لسببين:-
أ – لتحصدها ثمرة ناضجة:- وهذا بأن تتعرف عليها أكثر ، فتخطط لها ، وتضعها في المكان المناسب ، حتى تعود عليك بالنفع دائما ، ويكون النفع هذا لك وحدك.
لا أن يأتيك شخص فيقول: لقد ذكرت لك كذا وكذا ، ونصحتك ، فسمعت نصيحتي فهب لي منها شيئا.
رغم أنك فعلت عكس ما قال ، أو قد أشار لك بتركك النعمة.
ب – العين:- فالناس أغلبهم لو استطاعوا أن يستحوذوا على كل ما تملك لفعلوا ، غير أن منهم من عينه كالسيف الذي يفرق الشيئ نصفين ، ولا تنس أن العين حق كما ذكر نبينا محمد صلوات الله عليه.
فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:{الْعَيْنُ حَقٌّ ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ}.(11)
أما إن لم تقدر وتريد أن تخرج ما في نفسك لأحد ما ، بغرض الاستشارة والنصيحة ، فعليك بأقرب شخص منك دينا وخلقا وقرابة.
فهو من لا يخذلك بإذن الله تعالى ، غير ذلك فلا.
هذا إن أردت أن تحافظ على النعمة التي أعطاكها الله.
5 – اعطها القيمة التي تستحق:-
فالأنام عندما تأتيهم النعمة التي لم يحلموا بها من قبل تجدهم انقسموا ثلاث فرق:-
1 – أمة تظن أنها نعمة كأي نعمة:- وهؤلاء لن تدوم معهم نعمهم ، بل سيلازمهم الكرب والحزن والهم طوال العمر ، لعدم رضاهم ، ولعدم تقديرهم النعمة بما تستحق.
2 – فرقة تكبر شأنها تكبيرا:- حتى تجدهم يظنون أن هذه النعمة هي سبب سعادتهم ، أو أنها حياتهم ، فتختفي النعمة وتزول بدون رجعة ، ولا يبقى سوى الندم والحزن ، لأنهم نسوا حقيقة المنعم ، وأن الله هو واهب السعادة والرزق لا الوسائل.
3 – ثلة معتدلة:- وهم من إذا أتتهم النعمة حمدوا الله وشكروه على هذه النعمة ، وسجدوا له سجدة شكر ، وبعدها فكروا في قيمتها ، فأخذوا يخططون وينفذون ويعملون على المحافظة عليها وتنميتها ، فكن منهم ، واعطها قيمتها التي تستحق.
6 – لا تسرف ولا تقتر:-
وأيا ما كانت النعمة:- فلا تسرف فيها أو لها ، فهذا يدعو إلى ضياعها ، ولا تقتر فيها أو لها ، فهذا يدعوا إلى اختفائها.
ولكن إن كنت معها فحافظ عليها.
بأن:- تعطي أو تأخذ منها على قدر الحاجة ، فبذلك تضمن بقائها بإذن الله.
7 - لا تدخل عليها شيئا حراما:-
وأخيرا:- لا تستعملها في حرام ، أو تدخل عليها شيئا حراما ، أو تحلم بأن تستعملها في حرام ، فما دخل الحرام في شيء إلا أفسده.
فأنت قبل الحرام:- كنت في طريق قصير سهل ، ليس فيه عقبات ، والنعمة أمامك تناشدك مبتسمة أنا آتية.
فإن استعملت شيئا من الحرام أو خططت له:- تجدها قد رعدت فأبرقت ثم صعقت فأحرقت ، وامتلأ الطريق بالعقبات ، ويقع بينكما حائل ما ، وهو دخول أحدهم في منتصف الطريق يقطع عليك سبيل الوصول لها ، ودخول آخر ، وهذا الآخر طريقه أسهل مما كنت فيه ، إذ هو أقرب إليها منك ، يناديها فيذهب إليها حتى يأخذها هو ، فما هي اقتربت ، ولا أصبحت تناشدك ، وما أصبحت تبستم ، ولا أصبحت تنظر إليك.
الخاتمة
هذه هي الخطوات السبع التي إذا تمسكت بها دامت عليك نعمة الله عليك ، وحوفظ عليها ، وأصبحت سببا كبيرا في سعادتك ، ونسيان همومك وتعاستك.
فتمسك بها ، واعمل بما فيها ، فهي سبيلك في حفظ النعم ودوامها بإذن الله.
وإياك أن تركن في خطوة ، فإنك إن لم تخطوها كاملة ستضيع منك بسببك فتدرك قيمتها لاحقا ، أو تختفي فلا يصاحبك سوى الندم.
فاللهم احفظ لنا نعمك علينا ، ولا تبعدها عنا ، وقربها منا ، وقربنا منها ، وأدم سعادتنا ، واغفر لنا فأنت الغفور الرحيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه:- إبراهيم محمد إبراهيم الصياد.
تحريرا في ظهر الخميس:-
10 ربيع الآخر ١٤٣٩ هـ.
28 ديسمبر ٢٠١٧ م.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.




ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) {سورة الطلاق: 2 – 3}.
(2) {سورة لقمان: 20}.
(3) {حسن لغيره}.
(4) {سورة الكهف: 39}.
(5) {طه:124-126}.
(6) {سورة إبراهيم: 7}.
(7) {سورة القصص: 78}.
(8) {سورة القصص: 81}.
(9) {سنن الترمذي - الأدب (2819) حسن}.
(10) {سورة نوح: 10 – 12}.
(11) {رواه الإمام مسلم (2188)}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شوقي رائد المسرحية الشعرية في أدبنا العربي الحديث

  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على المصطفى خير المرسلين، وشفيع ال...