مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، الرحمن
الرحيم ، مالك يوم الدين ، والصلاة والسلام على المصطفى خير المرسلين ، وشفيع العالمين
، والشكور لربه والمتعبد له طوال الأيام والسنين ، الذي أدى رسالته على أتم حكمة وموعظة
وإرشاد وبرهان ، وفصاحة وأخلاق وبر حتى علا هذا الدين ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه
ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}.(1)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا
اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ
رَقِيبًا}.(2)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا
اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70)
يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً}.(3)
فها نحن في هذا البحث:{نونية أبي البقاء الرندي
في رثاء الأندلس دراسة وتحليل} نتحدث
عن القصيدة التي أغنت عن عشرات الكتب والمجلدات ، فلقد حكم الطغاة جنة الله على
أرضه.
والقاعدة كما نعلم تقول:- إن الطغاة كانوا دائما سبب الغزاة.
فقاموا بانتهاك حرمات الله ، ولم يراعوا دينا ولا مسئولية ولا شعبا ،
فأضحوا متناحرون من أجل المصالح الدنيوية ، فعمت الفوضى أرجاء الأندلس.
وهناك من بعيد عدو متربص كل قوته تتجلى في جملة واحدة
وهي: فرق تسد.
فكان ينصر هذا على ذاك ، ويقيم علاقات سلام هشة مع ذلك ، فكانت الفرصة
سانحة لأن يأتي على رأس جيش جرار فيلتهم قرية تلو قرية ، ومدينة إثر مدينة.
وبدلا من أن يتعاون المتناحرون أخذوا يستنصرون بالأعداء ، فكان
الابتزاز ، ونهب ثروات الأندلسيين ، وسحابة من خيبة الأمل أتت على جميع
الأندلسيين.
فظن العدو بسبب تفرقنا أنه قوي مكين ، فلم يهتم بعهود ولا مواثيق ،
واستأنف حملته فكان ما كان من سقوط المدن والثغور ولم يبقى من الأندلس سوى مملكة
غرناطة التي سلمت بعض القلاع والحصون.
فبحثنا ليس مجرد جمع للمعلومات ، بل الرجوع بالذاكرة إلى الوراء ،
لندرس تلك المحنة ونتائجها ونتعلم منها ، لمن ألقى السمع وهو شهيد.
ولقد التزمت في هذا البحث بما حباني الله إياه من قدرة على التدوين
والإنشاء مستعينا بالله في تنمية مواهبي منذ ست سنوات ، راغبا في سلوك طريق البحث
العلمي ، ملتزما الأمانة العلمية ، متريثا متحليا بالصبر في كل ما يتصل بالبحث ،
والاستقلال في الفكر والرأي ، مع اظهار ملكتي في التذوق الأدبي ، والإلمام بالفنون
الأدبية والحياة الثقافية ، مع سعة الأفق ، كما علمني
أستاذي الدكتور محسوب فايد حفظه الله.
وكان منهجي في البحث التزام عشر نقاط وهم:-
1 – ذكر
القصيدة مع توثيقها وبيان بعض كلماتها الغامضة.
2 – التعريف
بأبي البقاء الرندي.
3 – ذكر
مناسبة القصيدة والجو الذي قيلت فيه.
4 – دراسة
وتحليل القصيدة.
5 – اظهار
عاطفة الشاعر في القصيدة.
6 – بيان
أسلوب القصيدة وصورها.
7 – ابراز موسيقى
القصيدة.
8 – إطلالة
تاريخية على شعر بكاء الدول والممالك قبل نكبة الأندلس.
9 – قيمة
القصيدة وشهرتها.
10 – ذكر أهم
المصادر والمراجع.
والله أسأل أن ينفعني بهذا البحث وينفع قارئه ، وأن يبارك الله لنا
فيه ، وعليه نتوكل وبه نستعين.
نونية
الرندي في رثاء الأندلس
1 - لكلِّ شيءٍ إذا
ما تمَّ نقصَانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ(4)
2 - هي الأمور كما
شاهدتها دُوَلٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ(5)
3 - وهذه الدار لا
تُبقي على أحد
ولا يدوم على حالٍ لها شانُ(6)
4 - يُمزقُ الدهرُ
حتمًا كلَّ سابغةٍ
إذا نَبَتْ مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ(7)
5 - وينتضي كلَّ سيف للفناء ولوْ
كان ابنَ ذي يزَن والغمد غمدان(8)
6 - أينَ الملوك ذَوُو التيجان من يمنٍ
وأينَ منهُم أكاليلٌ وتيجانُ ؟(9)
7 - وأين ما شاده شدَّادُ في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟(10)
8 - وأين ما حازه قارون من ذهب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟(11)
9 - أتى على الكُلِّ
أمرٌ لا مَردَّ له
حتى قَضَوا فكأنَّ القوم ما كانوا(12)
10 - وصار ما كان من
مُلكٍ ومن مَلِكٍ
كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ(13)
11 - دارَ الزّمانُ على دارا وقاتِلِه
وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ(14)
12 - كأنما الصَّعب
لم يسْهُل له سببُ
يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ(15)
13 - فجائعُ الدهرِ أنواعٌ مُنوَّعة
وللزمانِ مسرّاتٌ وأحزانُ(16)
14 - وللحوادثِ
سُلوانٌ يسهِّلها
وما لما حلَّ بالإسلام سُلوانُ(17)
15 - دهى الجزيرةَ
أمرٌ لا عزاءَ لهُ
هوى لَهُ أُحدٌ وانهدَّ ثهلانُ(18)
16 - أصابها العينُ في الإسلام فامتحنتْ
حتى خَلت منهُ أقطارٌ وبُلدانُ(19)
17 - فاسأل بَلَنْسيةً
ما شأنُ مُرْسِيةً
وأينَ شاطبةٌ أمْ أينَ جَيَّانُ(20)
18 - وأين قُرْطبة
دارُ العلوم فكم
من عالمٍ قَدْ سَما فيها لهُ شانُ(21)
19 - وأين حمصُ وما تحويه من نُزَه
ونهرها العَذبُ فَيَّاضٌ وملآنُ(22)
20 - قواعد كنَّ
أركانَ البلاد فما
عسى البقاءُ إذا لم تَبْقَ أركانُ(23)
21 - تبكي الحنيفيةَ البيضاءُ من أسفٍ
كما بكى لفراق الإلْفِ هيمانُ(24)
22 - على ديار من
الإسلام خالية
قد أقفرت ولها بالكفر عُمْرَانُ(25)
23 - حيث المساجد قد
صارتْ كنائس ما
فيهنَّ إلا نواقيس وصُلبانُ(26)
24 - حتى المحاريب
تبكي وهي جامدة
حتى المنابر ترثي وهي عيدانُ(27)
25 - يا غافلاً ولهُ
في الدهرِ موعظة ٌ
إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ(28)
26 - وماشيًا مرحًا
يلهيه موطنهُ
أبَعد حمْصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ(29)
27 - تلك المصيبةُ أنْسَتْ
ما تقدمها
وما لها مَعَ طولِ الدهر نسيانُ(30)
28 - يا راكبين عتاقَ الخيلِ ضامرةً
كأنها في مجال السبقِ عقبانُ(31)
29 - وحاملين سيُوفَ الهندِ مُرْهَفة ً
كأنها في ظلام النقعِ نيرانُ(32)
30 - وراتعينَ وراء
البحر في دَعَةٍ
لهم بأوطانهم عزّ ٌ وسلطانُ(33)
31 - أعندكم نبأ مِنْ
أهلِ أندلس
فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ(34)
32 - كم يستغيث بنا
المستضعَفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتزّ إنسانُ(35)
33 - ماذا التقاطعُ
في الإسلام بينكمُ
وأنتمُ يا عبادَ الله إخوانُ(36)
34 - ألا نفوسٌ أبِيّاتٌ لها هممٌ
أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ(37)
35 - يا من لذلةِ قومٍ بعدَ عزِّهمُ
أحال حالهمُ كُفْرٌ وطُغيانُ(38)
36 - بالأمس كانُوا ملوكًا في منازلهم
واليومَ هم في بلاد الكفر عبدانُ(39)
37 - فلو تراهم حيارى
لا دليلَ لهم
عليهمُ من ثيابِ الذلِّ ألوانُ(40)
38 - ولو رأيتَ بُكاهم
عندَ بيعهمُ
لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ(41)
39 - يا رُبَّ أُمٍّ
وطفلٍ حيل بينهما
كما تفَرَّقُ أرواحٌ وأبدانُ(42)
40 - وطَفلةً مثل حسن
الشمسِ إذ طلعتْ
كأنّما هي ياقوتٌ ومَرْجانُ(43)
41 - يقودُها العلجُ للمكروه مكرهة ً
والعينُ باكية ٌ والقلبُ حيرانُ(44)
42 - لمثل هذا يذوبُ
القلبُ من كمد
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ(45)(46)(47)
ترجمة الناظم
هو صالح بن أبي
الحسن يزيد بن صالح بن موسى بن أبي القاسم ابن علي بن شريف يكنى بأبي الطيب وأبي
البقاء ؛(48) رَوى عنه جماعة ، وكان خاتمةَ أدباءِ الأندلس.
بارَعَ التصرُّف في منظوم الكلام ومنثوره، فقيهًا حافظًا فَرَضيًّا
متفنِّنًا في معارفَ جليلة نبيلَ المَنازع متواضعًا مقتصدًا في أحواله.
وله "مقامات" بديعة في
أغراضٍ شتى، وكلامه نظمًا ونثرًا مدوّن، وله تأليفٌ في العَروض وتأليفٌ في صنعة
الشّعر سمّاه "الكافي في علم القوافي"، وأودعه جملةً وافرة من نظمه.(49) ومختصرا في
الفرائض(50).
وهو من
أشهر أدباء الأندلس ومن بديع نظمه قوله:
سلم على الحي
بذات العرار
وحي من أجل
الحبيب الديار(51)
ومن بديع نظمه كذلك القصيدة
التي قالها في رثاء الأندلس ومطلعها:
لكل شيء إذا ماتم
نقصان
فلا يغر بطيب
العيش إنسان.(52)
ولقد توفي ابن
الرندي سنة 684 هـ.(53)
وقد أمر أن يكتب على قبره:
خليليّ، بالودّ الذي بيننا اجعلا
إذا متّ قبري عرضة للتّرحّم
عسى مسلم يدنو فيدعو برحمة
فإني محتاج لدعوة مسلم.(54)
مناسبة
القصيدة
سقطت دولة
الموحدين على يد المرينيين في المغرب الأقصى ، ومَلك محمد بن يوسف بن هود قواعد
شرقي الأندلس ، وظهر محمد بن يوسف الأنصاري في الجنوب ، وغلب بعض الأمراء على
إشبيلية ، ونشب صراع على السلطة والملك بين أمراء الأندلس ، ودخلوا في قتال عنيف
لنزع الحصون والقلاع من بعضهم البعض.
وكانت مملكة
قشتالة النصرانية الإسبانية تتابع ما يدور في أراضي المسلمين بواسطة أجهزة
استخباراتها التي استطاعت أن تجند رجالا يعملون لحسابها ، فرأت أن الفرصة حانت
لتوجيه ضربة مميتة للمسلمين في الأندلس ، فبدأت هجومها بالفعل ، وكان احتلال قرطبة
في 23 شوال (633هـ) ، 29 حزيران (يونيه) (1236م) ، صيحة النذير المدوية.
لقد كان سبب سقوط
قرطبة المعاصي والآثام والابتعاد عن منهج الله العظيم ، وبالتالي أصابهم الضعف ،
ودخلوا في الفوضى والنزاع والخلاف ، فقادهم ذلك إلى فقد الأوطان والأرض ، ومن ثم
ضاعت الحضارة والتراث والإسلام ، وبدأت مدن الإسلام الكبرى تتساقط في يد النصارى ؛
فسقطت بلنسية عام (636هـ / 1238م) ثم شاطبة
ودانية.
وفي عام (646هـ) سقطت إشبيلية بعد حصار شديد ودفاع من
المسلمين مجيد ، ودام الحصار ثمانية عشر شهرا ، أبدى فيها المسلمون آيات من
البسالة والجلد والدفاع عن إشبيلية ، وأخيرا جاء مصير أسود محتوم ، واستسلمت
المدينة لفرديناند الثالث ، على أن يخير المسلمون بين البقاء في إشبيلية أو
يهاجروا ، وفي الحال حول مسجدها الجامع إلى كنيسة ، وأزيلت منها معالم الإسلام ،
وتوزع أهلوها في الحواضر الإسلامية الباقية.
لقد كان سقوط
إشبيلية إيذانا بسقوط سائر المدن والحصون الإسلامية فيما بينها وبين مصير الوادي
الكبير ، فاستولى النصارى تباعا على: شريش ، شذونة ، قادس ، شلوقة ، غليانة ، روضة
، ثغر شنتمرية ، وغيرها.
وتحالف ابن
الأحمر مع النصارى وعاونهم في الاستيلاء على قادس ؛ وبهذا بسط القشتاليون سلطانهم
على سائر الأراضي الإسلامية في غربي الأندلس وانكمشت رقعة الدولة الإسلامية بسرعة
مروعة.(55)
فكانت هذه
القصيدة للرندي احتجاجا غير معلن صراحة فهي تلميح باحتجاجه على ذلك التخاذل ، وفي
القصيدة يندب الشاعر بلادا كثيرة سقطت في عهد السلطان المذكور ، ويندد بالقواعد
التي سقطت على عهده في يد المسيحيين ، وتستثير جمهرة المسلمين في الأندلس لاستعادة
ما ذهب ، والدفاع عما يوشك أن يذهب ، وقد ندب في قصيدته قواعد كبرى هي:{أشبيلية ، وقرطبة ، ومرسية ، وشاطبة ، وجيان} ،
وكلها سقطت بين عامي 635 – 660 هـ / 1227 – 1252م إلى
جانب مئات من الحصون والقرى ، فالقصيدة تدين ذلك السلطان دون أن تعرض له ، وتجعله
مسئولا دون أن تذكر اسمه ، وليس ثمة شك في أن أحفاده كانوا أحرص منه على عدم
تداولها بين الناس.(56)(57)
المعنى
العام للنونية
كن
يقظا مع نفسك واحترس من الدنيا
لكلِّ شيءٍ إذا ما تمَّ نقصَانُ
فلا يُغرُّ بطيب العيش إنسانُ
هي الأمور كما شاهدتها دُوَلٌ
مَن سَرَّهُ زَمنٌ ساءَتهُ أزمانُ
وهذه الدار لا تُبقي على أحد
ولا يدوم على حالٍ لها شانُ
يُمزقُ الدهرُ حتمًا كلَّ سابغةٍ
إذا نَبَتْ مشْرفيّاتٌ وخُرصانُ
أينَ الملوك ذَوُو
التيجان من يمنٍ
وأينَ منهُم أكاليلٌ وتيجانُ ؟
وأين ما شاده شدَّادُ
في إرمٍ
وأين ما ساسه في الفرس ساسانُ ؟
وأين ما حازه
قارون من ذهب
وأين عادٌ وشدادٌ وقحطانُ ؟
أتى على الكُلِّ أمرٌ لا مَردَّ له
حتى قَضَوا فكأنَّ القوم ما كانوا
وصار ما كان من مُلكٍ ومن مَلِكٍ
كما حكى عن خيال الطّيفِ وسْنانُ
دارَ الزّمانُ
على دارا وقاتِلِه
وأمَّ كسرى فما آواه إيوانُ
كأنما الصَّعب لم يسْهُل له سببُ
يومًا ولا مَلكَ الدُنيا سُليمانُ
فجائعُ الدهرِ
أنواعٌ مُنوَّعة
وللزمانِ مسرّاتٌ وأحزانُ
وللحوادثِ سُلوانٌ يسهِّلها
وما لما حلَّ بالإسلام سُلوانُ
بعد تمام الشيء
يعتريه النقص ، فالإنسان تكتمل قوته بالشباب ثم تتناقص بالشيخوخة ، والدنيا تقبل
فتكون روضة معطاءة ، وتدبر لتصير هشيما تذروه الرياح ، ومضرة الأيام وإساءتها تكاد
تغطى على أيام المسرة ، ولا خلود لأحد ، ولا دوام لحال ، وإن الدهر ليعصف بالقوي
والأقوياء ، ويضع حدا لسلاح الأشداء.
وقد تعودنا أن
يجيء العزاء والتأمل الفلسفي وصوت الحكم – في الغالب –
خلال المرثية أو في نهايتها في الأغلب ، بعد مرحلة من الندب والبكاء
والتفجع بتقليب أوراق المصاب ، ولكن العزاء يتصدر هنا من خلال صوت العقل والحكمة
المؤمنة ، ولعل السبب راجع إلى أن الهول كبير ، والذاهب دول وممالك ، والغائب
صلوات ومساجد ومآذن حل محلها نواقيس وكنائس .. فجاء التسليم والركون لناموس الحياة
المستمد من الإسلام مقدمة يتقوى بها الشاعر ومعه المتلقي على الدخول في تفاصيل
المأساة وأبعادها.
وأخذ يسوق أدلة
تاريخية على صدق ما ساقه في مقدمته من حكم وعبر تنطق بها أحداث الزمان ، لقد طاشت
التيجان وذهبت الأكاليل وقوِّضت الأبنية والقلاع لدى العرب والفرس ، وأصبحت
الأسماء والرموز (ساسان ، قارون ، عاد ، شداد ، قحطان
، كسرى) و (ارم ، ذهب ، ملك ، إيوان) مجرد مفردات تبدو في قراطيس التاريخ والكتب للعظة والاعتبار ، إن عناصر
القوة من أبنية وأموال وأسلحة وسلطان لا قبل لها بسنن الكون والناس والزمان وحتمية
التغيير ، وتذهب سريعا كخيال طاف بعيني وسنان ، فليحذر الناس فعل الزمان بالجميع ،
حل بكسرى فاحتمى لكن ما حماه الإيوان ، وحان قضاء الله فرحل من ملك
الدنيا وهو سيدنا سليمان.(58)
انهيار
ممالك الأندلس وتساقط مدنه
دهى الجزيرةَ أمرٌ لا عزاءَ لهُ
هوى لَهُ أُحدٌ وانهدَّ ثهلانُ
أصابها العينُ
في الإسلام فامتحنتْ
حتى خَلت منهُ أقطارٌ وبُلدانُ
فاسأل بَلَنْسيةً ما شأنُ مُرْسِيةً
وأينَ شاطبةٌ أمْ أينَ جَيَّانُ
وأين قُرْطبة دارُ العلوم فكم
من عالمٍ قَدْ سَما فيها لهُ شانُ
وأين حمصُ وما
تحويه من نُزَه
ونهرها العَذبُ فَيَّاضٌ وملآنُ
قواعد كنَّ أركانَ البلاد فما
عسى البقاءُ إذا لم تَبْقَ أركانُ
ثم خلص من ذلك
إلى عظم الفجيعة في الأندلس وجسامة الخطب في فقدها وهو أمر يجل عن العزاء ويستعصي
على السلوان.(59)
فقد ترددت
أصداؤها في مشارق الأرض ، وأصابت من الإسلام مقتلا.(60)
فيدخل فيما حل
بالممالك الإسلامية في الأندلس من ضياع لها ، وغياب الإسلام عنها ، الأمر الذي عز
فيه الصبر ، ولم يقو معه الاحتمال ، فقد هوى جبل أحد ، وانهد جبل ثهلان ، تأثرا
بتصدع أركان لا أمل في إقامتها ، وتمزق بلدان لم يعد لجراحها التئام ، وأعظم
البلوى فيها غياب الإسلام.(61)
فيبكيها ويندبها
، ويتساءل في حسرة عما أصاب هذه القواعد التي كانت معاهد لنشر العلم ، ومسارح
للتنزه والتمتع بمباهج الحياة.(62)
فيعدد العواصم
التي سقطت (بلنسية ، مرسية ، شاطبة ، جيان) متسائلا
عنها في بيت ، بينما أفرد لقرطبة حاضرة العلم والعلماء البيت التالي ، وجاءت حمص
في ثالث بيت بنهرها ومنتزهاتها ، كل هذه الممالك ضاعت وقد كانت أركان البلاد وقوام
وجودها ، ضاعت وما عاد يمكنها الرد على الشاعر ، فقد حانها الحين ، ولم يعد لها
أين.(63)
والطريف في
الشاعر أنه يذكر كل مدينة بأجل صفاتها وأشهر معالمها ، يبكيها جميعا ويرثيها رثاء
ينتهي به إلى اليأس أو إلى ما يشبه اليأس.(64)
ألا من مغيث؟
تبكي الحنيفيةَ
البيضاءُ من أسفٍ
كما بكى لفراق الإلْفِ هيمانُ
على ديار من الإسلام خالية
قد أقفرت ولها بالكفر عُمْرَانُ
حيث المساجد قد صارتْ كنائس ما
فيهنَّ إلا نواقيس وصُلبانُ
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة
حتى المنابر ترثي وهي عيدانُ
يا غافلاً ولهُ في الدهرِ موعظة ٌ
إن كنت في سِنَةٍ فالدهرُ يقظانُ
وماشيًا مرحًا يلهيه موطنهُ
أبَعد حمْصٍ تَغرُّ المرءَ أوطانُ
تلك المصيبةُ أنْسَتْ ما تقدمها
وما لها مَعَ طولِ الدهر نسيانُ
ويمضي الرندي في
اتكائه على العاطفة الدينية واستخدامها كعنصر بارز في رثائه ويضيف إليها بعض عناصر
أخرى كالتشخيص والمشاركة الوجدانية بين الأشياء.(65)
حتي تبدوا
المصيبة صارخة تغبر الوجوه وتعكر النفوس وتصم الآذان ، وتلك وسيلة استعملها
كل شعراء البكاء
على الأندلس ، فلقد كانت صفتها الأولى والأخيرة الصفة الإسلامية ، فإن ذكر الرزايا
التي حدثت في الأندلس تثير نخوة المسلم لينطلق إلى الجهاد إذا كان به بقية من نخوة
إسلامية.(66)
فإن الشريعة
السمحة تبكي أسفا لفراق تلك الممالك بكاء الإلف أليفه ، فقد عريت من الإسلام ،
وعمرت بالكفر والضلال ، تحولت المساجد إلى كنائس ، ومضى شعار الأذان والتكبير ،
وحل مكانه شعار الصليب والناقوس ، فلتشارك الشريعة مأتمها كل الأماكن ، ولتبك
المحاريب وأعواد المنابر ، فكم حفلت بالعبادة وشهدت على التوحيد.
وللغافل أن يتنبه
لفعل الدهر وعظاته ، ويقظته الدائمة ، وعلى من يمشي في الأرض مختالا بنفسه لاهيا
بوطنه أن يذكر (حمص) فليس بعد زوالها وطن يغر
أو بلاد تسر ، ويعز على الدهر نسيانها ، وكأن عودة الشاعر لمصيبة حمص أجمل البلاد
طبيعة كأنه يذكر متبلدي الإحساس بأن عليهم أن ينتبهوا لضياع الأوطان وغربة الإسلام
، وأن يشاركوا الجمادات التي قامت في المأساة متحسرة نادبة باكية.(67)
إلى
الجهاد
يا راكبين عتاقَ
الخيلِ ضامرةً
كأنها في مجال السبقِ عقبانُ
وحاملين سيُوفَ
الهندِ مُرْهَفة ً
كأنها في ظلام النقعِ نيرانُ
وراتعينَ وراء البحر في دَعَةٍ
لهم بأوطانهم عزّ ٌ وسلطانُ
أعندكم نبأ مِنْ أهلِ أندلس
فقد سرى بحديثِ القومِ رُكبانُ
كم يستغيث بنا المستضعَفون وهم
قتلى وأسرى فما يهتزّ إنسانُ
ماذا التقاطعُ في الإسلام بينكمُ
وأنتمُ يا عبادَ الله إخوانُ
والمرحلة
التالية من نونية ابن الرندي هي: مرحلة استنفار المسلمين
الذين يقيمون في شمال افريقية ، وهو لا
يقف عن مجرد الاستغاثة وإثارة الحماس ، وإنما يستغضب القوم ويكاد يسخر من تقاعسهم
، بل إنه يذهب إلى مدى أبعد وهو تقريعهم وتوبيخهم باسم الأخوة الإسلامية والرابطة
الدينية.(68)
فالشاعر
ينادي أمراء المسلمين في شمال إفريقية مستنهضا همتهم وضاربا على وتر فروسيتهم: يا من تمتطون
صهوات الخيل الكريمة التي تشبه العقبان سرعة وطيرانا ، وأنتم تحملون السيوف الهندية
المرهفة وكأنها وسط النقع نيران مضيئة ، ويا أيها المنعمون المطمئنون في أوطانهم ،
المتمتعون بعزهم وسلطانهم هل بلغكم خبر إخوانكم المسلمين في الأندلس ، وقد طارت
أحاديث نكبتهم؟ لقد تكررت استغاثات الأندلسيين المستضعفين بعد أن غلبوا على أمرهم
ودارت الدائرة عليهم وشهد ظلام النكبة قتلاهم وأسراهم ، ولكن ما خف أحدكم لنجدتهم
وإغاثتهم.
ولا أرى – إخوة الإسلام – سببا لهذا التناكر والتخاذل فيما
بينكم ، والدين والحمد لله قد آخى بينكم.(69)
تعال فجاهد فهذا بعض خبرنا لمن كان في قلبه إسلامٌ
وإيمانُ
ألا نفوسٌ
أبِيّاتٌ لها هممٌ
أما على الخيرِ أنصارٌ وأعوانُ
يا من لذلةِ
قومٍ بعدَ عزِّهمُ
أحال حالهمُ كُفْرٌ وطُغيانُ
بالأمس كانُوا ملوكًا في منازلهم
واليومَ هم في بلاد الكفر عبدانُ
فلو تراهم حيارى لا دليلَ لهم
عليهمُ من ثيابِ الذلِّ ألوانُ
ولو رأيتَ بُكاهم عندَ بيعهمُ
لهالكَ الأمرُ واستهوتكَ أحزانُ
يا رُبَّ أُمٍّ وطفلٍ حيل بينهما
كما تفَرَّقُ أرواحٌ وأبدانُ
وطَفلةً مثل حسن الشمسِ إذ طلعتْ
كأنّما هي ياقوتٌ ومَرْجانُ
يقودُها العلجُ
للمكروه مكرهة ً
والعينُ باكية ٌ والقلبُ حيرانُ
لمثل هذا يذوبُ القلبُ من كمد
إن كان في القلبِ إسلامٌ وإيمانُ
ويرتدي الرندي
موج الحكيم ، ويلبس ثياب الواعظ ، فيدعوا المسلمين إلى التماسك ونبذ التقاطع
والتخاصم ، كما يدعوهم إلى أخذ العظة والعبرة مما حدث لإخوانهم في الأندلس حتى لا
يحدث ذلك في بقعة أخرى من بقاع الإسلام ، ويستحثهم لنصرة الدين والحفاظ على قواعده
القليلة الباقية في الأندلس.
فأخذ يرسم لوحات
حزينة تصور مأساة أهل الأندلس(70) ، فيصف حال القوم
وما قد انحدروا إليه من ذل بعد عز ، وعبودية بعد سيادة ، وضياع بعد منعة(71) ، هنا يكون
النهوض أوجب والفزع ألزم فالحرمات تنتهك ، وإلا فالعجب في افتقاد نفوس تأبى الضيم
، ومن مسلمين ليسوا على الخير بأعوان.
إنه يستحث
الإخوان ليغيثوا من بدَّل الطغاة من الغزاة حالهم ، فذلوا بعد عزة ، وضعفوا بعد
قوة ، وصاروا عبيدا في ديار كانوا عليها ملوكا ، إنك لو رأيت حيرتهم وهم يكتسون
ثياب الذل والمهانة ، وسمعت بكاءهم لحظة بيعهم بيع الرقيق ، وعرضهم عرض السلع في
الأسواق لأفزعك أمرهم وروعك مظهرهم ، وكيف لا تفزع والخطب جلل والمصائب فيهم
تتعاقب؟ وليس أشد وأنكى من التفريق بين الأم وولدها كما يفرق بين الروح والجسد ،
وليس أفظع وأخزى من أن تساق الفتاة الرخصة الناعمة إلى الفجور مرغمة ، ومدفوعة
إليه دفعا ، لا تملك من أمرها سوى حيرة الحزن ومرارة البكاء ، لمثل هذا يذوب القلب
حسرة وألما ، وأسى وأسفا ، هذا إن كان في القلب إسلام وإيمان.(72)
فابن الرندي يقدم
هذه الصور الحزينة في اطار من جيد الكلم ، وحسن القول ، ومتين الشعر ، بحيث خلدت
هذه الصور قصيدته كما أسهم منهجها في إنجاحها.(73)
حول
العاطفة في القصيدة
تعكس القصيدة في
سائر أبياتها هما إسلاميا وإنسانيا كبيرا ، يتألق فيها عنصر الإخلاص للقضية ،
ويتجلى فيها عمق المأساة التي جرت بها المقادير في الأندلس ، ولأن الشاعر عرك
التجربة وتجرع كأس مرارتها فقد زفت لنا عاطفته أو كلماته أن النهاية قد اقتربت ،
وأن ضياع الفردوس لا محالة وشيك الوقوع ، إنه عاين السقوط المتتابع لزهرات الأندلس
ومدائنه ، واعتصر قلبه الحزن لمحن المسلمين وجزعهم ، وتداعى إليه مزيج من مشاعر
الحزن والإشفاق والغضب لسلبية المسلمين وتخاذل ملوكهم إزاء الهجوم على فردوسهم
وانتزاع بلدانهم واحدة تلو الأخرى.(74)
فهي تصور إحساس شاعر أندلسي مكلوم ، يقف وقفة
حزينة أمام ذلك البناء الكبير المتهاوى يذرف الدموع ، ويستحضر العبرة ويهيمن على
القصيدة إحساس حزين ، وتسيطر عليها عاطفة ملتاعة ، ويربطها خيط ينظم أجزائها ،
وتتحد العناصر والصور جميعا لتبرز مليا الإحساس الحزين.(75)
أسلوب القصيدة وصورها
ـــ تناثرت الحكمة في القصيدة ، وجاءت كلما
اقتضاها المقام واستدعتها الأفكار ، فهي في صدر القصيدة ، وفي البيت 13 (فجائع الدهر أنواع منوعة – وللزمان مسرات وأحزان) وفي
البيت 25 (ياغافلا وله في الدهر موعظة – إن كنت في
سنة فالدهر يقظان) ولا نعدم شيئا من جو الحكمة تشع به صياغة بعض الأبيات
الأخرى ، ومعروف أن مجيء الحكمة لإضاءة النص وترسيخ معانيه لدى المتلقي أمر يرحب
له صدر النقد ، بعكس ما لو جاءت القصيدة كلها حكما كما فعل صالح بن عبد القدوس
مثلا ، وإلى ذلك أشار الجاحظ.
ـــ والقصيدة مصاغة
بأسلوب سهل لا غرابة في ألفاظها ، ولا تعقيد في عباراتها ، وكما رأينا لم نعد
للمعجم إلا قليلا ، ولو لم نعد أصلا لأمكننا وأمكن المتلقي العادي فهم القصيدة ،
وهذه سمة غالبة في الشعر الأندلسي ، كما أن مقام الرثاء يتنافى والتعقيد ، ولنقرأ
دون اختيار أو انتقاء:
دهي الجزيرة أمر لا غراء له هوى له أحد وانهد ثهلان
أصابها العين في الإسلام فامتحنت حتى خلت من أقطار وبلدان.
ولا حيرة أو توقف عند تعبيره (أصابها العين) فالحسد في مجال الخير وارد ومقبول ،
وهل تعلو الإسلام خيرية؟
ـــ وتحقيقا لهدف الشاعر ، وتحريكا لعقل المتلقي
وإحساسه تأتي الأفعال بمختلف أزمنتها ، لنأخذ في حاضر المأساة عبر الماضي ، وننظر
حركة المستقبل ، كما تأتي بعض الأبيات مبنية على الجمل الإسمية تثبيتا لبعض
الحقائق وتأكيد استمراريتها في الزمان والناس ، كما نشعر بخفة التنقل والالتفات
خلال أدوات الشاعر وجمله مما ضمن التواصل مع الأبيات والإقبال على ما تعطيه من صور
ومفاهيم.
ـــ وتلعب (أين) دورها
في القصيدة ، فكثيرا ما تصدرت الأبيات ، أو تكررت في البيت الواحد ، وليست (أين) وحدها ، فهناك (همزة
الاستفهام) و (ماذا) ، وقد انصرف
الاستفهام بكل ذلك في القصيدة إلى معان مجازية ، من وجوب التأمل في التاريخ
وأحداثه ، والتحسر على ماضاع من مدن واستنكار غفلة ملوك المسلمين وعدم علمهم بما
حل بإخوانهم الأندلسيين ، والحث على الهمة والإباء ونصرة الإخوان ، والأمثلة على
كل ماسبق في القصيدة كثيرة ، وأوضح من أن ندل عليها.
ـــ لم يتكلف
الشاعر بيانا أو مجازا أو بديعا ، مما أسهم في جمال القصيدة وخدم أفكارها ، نهض
الطباق والمقابلة – كمحسنات بديعية – بإبراز
صور التغيير وعدم ثبات الأوضاع في الإنسان والزمان والمكان (من سره زمن ساءته أزمان) ، (أقفرت ولها بالكفر عمران) ، (لكل
شيء إذا ما تم نقصان) ، ويالبساطة وروعة المقابلة أو لنقل الصورة التي
نسجلها في سهولة من حقائق لا خيال فيها.
وذلك
في قوله:
بالأمس كانوا ملوكا في منازلهم واليوم هم في بلاد الكفر عبدان.
ـــ هذا ونجد إضاءة القصيدة في روحها الإسلامي
بالاقتباس من أسلوب القرآن الكريم ، وذلك في البيت (وماشيا
مرحا يلهيه موطنه – أبعد حمص تغر المرء أوطان) حيث نذكر معه قول الله تعالى:{وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ
وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ
فَخُورٍ}.(76)
ـــ كما نرى بعض الإسنادات المجازية ، من ذلك
قوله: (من سره
زمن سائته أزمان) حيث أسند السرور والإساءة إلى الزمان.
ـــ وقد أجاد الشاعر عرض صور الواقع المأساوي في
الأندلس عن طريق التشبيه التمثيلي ، والذي غلب فيه استخدام الأداة (كأن) وهي أقوى أدوات التشبيه ، ومن هنا ترسخت الصور
بمفردات طرفي التشبيه وأداته ، ليقف على روعة التشبيه.
ـــ وليس غريبا أن تشخص الأشياء وتتحرك الجمادات
أو تذوب رقة وإحساسا في المشهد الكارثي (عن طريق
الاستعارة) ، من ذلك: (يمزق الدهر حتما كل
سابغة) و (ينتضي كل سيف للفناء) و (دار الزمان على دار) ، (تبكي
الحنيفية البيضاء) ، ( حتى المنابر ترثي) ،
(الدهر يقظان) ، (يذوب
القلب) ، أما (ثياب الذل) فلا تزاحم
فيها بين التشبيه البليغ ، والاستعارة.
هذا ونؤكد على مجيء الصورة الشعرية رائعة
أحيانا مع خلوها من ألوان البيان السابقة ، من ذلك في قصيدتنا البيتان(38 ، 41) ولك أن تتخيل المشهد – ولا خيال فيه – حيث الملوك أرقاء يباعون.
ولو رأيت بكاهم عند بيعهم لهالك الأمر واستهوتك أحزان
أو مشهد الأندلسية الحسناء:
يقودها العلج للمكروه مكرهة والعين باكية والقلب حيران
وهكذا تعاونت الصور بأشكالها وأدواتها
المختلفة على وضع المتلقي أمام المشهد وأمام نفسه في كل العصور.(77)
موسيقى النونية
وأما عن الموسيقى فالقارئ يلمس أولا كيف اتسع
بحر القصيدة وسمحت تفاعيل أبياتها ببث الشكوى وإيصال عناصر اللوعة والحزن
والاستعطاف والاستغاثة وسط هذه المأساة ، إذ أن البث والألم يناسبهما أن تكون
مسافات الصوت طويلة.
والنون بما تحمل من جهارة وأنين ونغم أخاذ قد
تكررت كثيرا وقامت مع غيرها من حروف بدور موسيقي
داخلي ملموس.
كما أنها عنوان
رويّ القصيدة ، واللافت في هذه النون (الرويّ) أنها
جاءت محركة بالضم ولهذا مدلول في القصيدة المأساة ، فالنون المضمومة هذه توحي بمدى
الهم والحزن والمأساة التي يعانيها الشاعر ويضمها إلى صدره وتنطوي عليها جوانحه.
هذا ولا يخفى ما
للصور والظلال والإيحاءات وأشكال الطباق والمقابلة من دور في تعلية شأن الموسيقى
ونجاحها في القصيدة.(78)
إطلالة
تاريخية على شعر بكاء الدول والممالك قبل نكبة الأندلس:
ننبه في البداية
إلى أنه من الخطأ أن يتصور البعض أن رثاء الدول والممالك الزائلة فن أو غرض شعري
جديد استحدثه شعراء الأندلس ، فهذا اللون من الرثاء القديم بدأ مع وجود دواعيه.
وأول دولة بكاها
الباكون دولة بني أمية التي سقطت سنة 132هـ
وأهم من بكاها أبو العباس الأعمى الشاعر المكي ... وله في خلفائها وأيامها أشعار
ومراث تفيض كلها بالعاطفة الصادقة ... وحين غزا هولاكو بغداد وخربها وأزال الخلافة
العباسية ورمى بها وبالتاريخ الباهر العظيم في دجلة بكى الشعراء من الأعماق ، ومن
خير من بكى وناح شمس الدين الكوفي.
يقول
في إحدى مراثيه لدولة العباسيين:
ما للمنازل أصبحت
لا أهلها أهلي ولا جيرانها جيراني
أين الذين عهدتهم
ولعزهم ذلا تخر معاقد التيجان
وحين زالت الدولة
الفاطمية بكاها الشاعر عمارة اليمني بكاء حارا.
وعن
ندب البلدان بعد وقوع الكوارث بها: نجد كارثة بغداد
حين حرقها ابن طاهر قائد المأمون أثناء حصاره لأخيه الأمين ، فقد سلط عليها
مجانيقه ، فتحولت نارا أتت على كل شيء فيها ... يقول
بعضهم في ذلك:
بكت عيني على
بغداد لما فقدت غضارة العيش الأنيق
أصابتها من
الحساد عين فأفنت أهلها بالمنجنيق
فقوم أحرقوا
بالنار قسرا ونائحة
تنوح على غريق
ويقتحم
الزنج البصرة ويسومون أهلها خسفا وعذابا واستعبادا ، فيبكيها ابن الرومي في قصيدة
طويلة يقول فيها:
كم أغصوا من شارب
بشراب كم أغصوا من طاعم بطعام
كم ضنين بنفسه
رام منجى فتلقوا
جبينه بالحسام
كم أخ قد رأى
عزيز بنيه وهو
يعلى بصارم صمصام
كم رضيع هناك قد
فطموه بشبا السيف قبل حين الفطام
كم فتاة بخاتم
الله بكر فضحوها جهرا بغير اكتتام
كم فتاة مصونة قد
سبوها بارزا وجهها بغير لثام
صبحوهم فكابد
القوم منهم طول يوم كأنه ألف عام
وصوَّر تحريق
الزنج لقصور البصرة ، وبكى الرسوم والأطلال والمسجد ، واستنجد المسلمين واستغاث
بهم على نصرتها.
ومن
البلاد التي بكاها المسلمون صقلية: حين سقطت في أيدي
النورمان منتصف القرن الخامس الهجري ، رثاها شاعرها ابن حمديس بقصائد مختلفة.
وفي
بعضها يقول:
أرى بلدي وقد
سامه الروم ذلة
وكان بقومي عزه
متقاعسا
وكانت بلاد الكفر
تلبس خوفه
فأضحى لذاك الخوف
منهن لابسا
وفي نفس التاريخ
هاجم البدو القيروان وخربوها ، وبكاها شعراؤها ، ومنهم شاعرها ابن شرف.
ومن
قوله في رثائها:
آه للقيروان أنة
شجو عن
فؤاد بجاحم الحزن يصلى
حين عادت به
الديار قبورا بل
أقول الديار منهن أخلى
... ولعلنا لم
نخرج بهذه الإطلالة عن الموضوع – فنحن نعقب على مرثية
أو بكائية أندلسية حول ضياع مدن الأندلس – إذ أن فاجعة ضياع الأندلس كادت
تنسى كوارث ونكبات سابقة خارج الأندلس ، وبالتالي ننسى بنسيانها مفردات مآسيها
ودور الشعر فيها ، فنتسرع في أحكامنا لدرجة أن يرى بعض الدارسين أن رثاء المدن
والممالك في الأندلس فن جديد وغير مسبوق ، بينما يقضي النقد المنصف بالنظر تاريخيا
وفنيا قبل إصدار مثل هذه الأحكام أو التعميمات ، فقد قيل مثل ذلك حول شعر الطبيعة
الأندلسي.
من النظر في
السابقين نقف على بعض التشابه أو الاختلاف في الأحداث والمآسي التاريخية للأمة من
جهة ، والنواحي الفنية في الأشعار الراثية تقليدا أو تميزا من جهة أخرى ... بل إن
الأمر نفسه مطلوب داخل بكائيات الأندلس حيث القصيدة التي معنا وما سبقها أو واكبها
من قصائد الآخرين من شعراء الأندلس.(79)
نونية
الرندي..قيمتها وشهرتها
مما عمق مأساة
الأندلس أن مدنه كانت تسقط ولا تعود ، ولذا فقد تبارى الشعراء في التباكي
والاستنهاض والتحذير ، وكان ضياع الأندلس كله هو نهاية المطاف.
وقد ظفرت دولة
بني الأفطس في بطليوس ، ودولة بني عباد في إشبيلية بالكثير من شعراء
الرثاء.
واشتهرت
مرثية ابن عبدون في بني الأفطس:
الدهر يفجع بعد
العين بالأثر فما
البكاء على الأشباح والصور
فالدهر حرب وإن
أبدى مسالمة عن
نومة بين ناب الليث والظفر
ما لليالي؟ أقال
الله عثرتنا من
الليالي وخانتها يد الغبر.
وقد حشد فيها
الكثير من أحداث تاريخ العجم والعرب منذ القدم ، وما مر بالدول والملوك من تقلبات
الدهر ، وذلك للعظة والتأسي ، ثم انتقل إلى تعداد مناقب قتلى بني الأفطس مثل
الإباء والوفاء والشجاعة والفروسية والأدب والتدين وكان تطوافه التاريخي طويلا
ومتشعبا في الأمم والرجال ... في الجاهلية والإسلام ، الفرس واليونان ، والأمويين
والبرامكة ، والمستعين والمعتز من خلفاء بني العباس ، إلى أن وصل إلى نكبة المعتمد
الأندلسي وبنيه ، وبعد كل ذلك يصل لمناقب بني الأفطس ، لذا جاءت محاولة إثبات سعة
اطلاعه على حساب العاطفة وتوجهها لموضوع قصيدته.
وسبق أن أشرنا (في الأغراض الشعرية) إلى تفجع (ابن اللبانة) لما حل بالمعتمد وأنه من أسر وطرد من
إشبيلية إلى أغمات بالمغرب.
حيث:-
تبكي السماء بمزن
رائح غاد على
البهاليل من أبناء عباد
على الجبال التي
هدت قواعدها وكانت
الأرض منهم ذات أوتاد.
وقد تجلى فيها
الصدق ، ونطقت أبياتها باللوعة على المعتمد وبنيه.
ورأى
البعض أن:{قصيدة الرندي – التي
معنا – على جودتها لا تخرج عن كونها تقليدا ومزيجا من قصيدة ابن عبدون
الرائية في رثاء بني المظفر (الأفطس) سنة 489هـ وقصيدة
ابن الأبار السينية في بكاء بلنسية سنة 635هـ أي
قبل أن ينظم الرندي قصيدته بعشرين عاما فقط ، ولا شك أنه قرأ القصيدتين بل حفظهما
، فكلاهما جدير بأن يحفظها العامة آنذاك فضلا عن الخاصة ، ولمكانة الشاعرين في
المجتمع الأدبي في تلك البقعة من العالم الإسلامي}.
ولا بأس أن يفيد (الرندي) مما سبقه من مراثي مدن الأندلس وأمرائه ،
ولعل تأخره في الزمن كان سر تميزه وشهرة قصيدته ، فقد جاءت بعد أن سقطت الأندلس
كلها أو كادت على يد ملوك بني الأحمر ، فكانت الصرخة قوية ، وانسحب عليها وصف
الشهرة منذ أن ولدت ، فصارت بكل لسان ، وأثبتها المقري في (نفح الطيب).
مصدرا
بقوله عنها: ((ومن مشهور ما قيل في ذلك (يقصد رثاء الدول) قول الأديب الشهير أبي البقاء صالح
بن شريف الرندي رحمه الله تعالى)).
وبقيت
للقصيدة منزلتها فهي:((تعد من أروع مراثي
الأندلسيين للممالك الزائلة ، ومن أشهر شعرهم وأرقه حاشية ، وأعذبه لفظا ، وأروعه
تصويرا ، وأدماه للقلوب قبل العيون ، وقد خلت
من تكلف يغض من
جمالها ، ويزري بقيمتها ، وخير ما توصف به أنها أوضح مثال للسهل الممتنع من الشعر
العربي)).
إنها((من أروع ما بكيت
به المدن الأندلسية)).(80)
وقد
تأثر بها كثير من الشعراء ، ومما يدل على ذلك إشارة المقري إلى ذلك((ويوجد بأيدي
الناس زيادات فيها ذكر غرناطة وبسطة وغيرهما مما أخذ من البلاد بعد موت صالح بن
شريف ، وما اعتمدته منها نقلته من خط من يوثق به على ما كتبته ، ومن له أدنى ذوق
يعلم أن ما يزيدون فيها من الأبيات ليست تقاربها في البلاغة ، وغالب ظني أن تلك
الزيادة لما أخذت غرناطة وجميع بلاد الأندلس إذ كان أهلها يستنهضون همم الملوك
بالمشرق والمغرب ، فكأن بعضهم لما أعجبته قصيدة صالح بن شريف زاد فيها تلك
الزيادات)).(81)
الخاتمة
هذا ما وفقني
الله فيه من دراسة للنونية التي أغنت عن عشرات المجلدات المتناولة لموضوع الأندلس
، من القمة إلى القاع ، ومن ذروة المجد لسفح الهلاك والضياع.
وكان السبب في
هذا طغاة ملكهم الله حكم هذه الأرض ، فأضاعوها بشَرَهِهِمْ وفسادهم وهوانهم على
الناس ، وتناحرهم مع بعضهم ، وتقويهم على قرنائهم ، وضعفهم أمام عدوهم ، حتى غابت
شمس الإسلام من جنة الله على أرضه ، وأمسى مكان نهاره ليل بهيم ، غَيَّبَتْ فيه
سحب النصرانية قمره ، وذُلَّ أهلها بعد عز ، وشُرِّدوا بعد مُلك ، واسْتُعْبِدوا
بعد حرية.
المصادر
والمراجع
1 - نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب ، للمقري ، تحقيق: إحسان عباس ، الناشر: دار صادر- بيروت.
سنة: 1408هـ - 1988م.
2 - تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد بن محمّد بن عبد
الرزّاق الحسيني ، أبو الفيض ، الملقّب بمرتضى ، الزَّبيدي. دار الهداية.
3 - دولة الموحدين. المؤلف: د.علي الصلابي.
4 - الأدب الأندلسي والجديد فيه . أ.د. رفعت التهامي عبد
البر. الطبعة الأولى: 2009.
5 - الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة. المؤلف: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك
الأنصاري الأوسي المراكشي. حققه وعلق عليه: الدكتور إحسان عباس، الدكتور محمد بن شريفة، الدكتور بشار
عواد معروف. الناشر: دار الغرب الإسلامي،
تونس . الطبعة: الأولى، 2012 م.
6 - تاريخ العرب في الأندلس. تأليف حسن مراد. المطبعة
الحديثة الطبعة الأولى: 1348 هـ - 1930 م.
7 - الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه ، للدكتور مصطفى الشكعة. دار العلم للملايين.
8 - الإحاطة في أخبار غرناطة المؤلف ، محمد بن عبد الله بن
سعيد السلماني اللوشي الأصل ، الغرناطي الأندلسي ، أبو عبد الله ، الشهير بلسان
الدين ابن الخطيب (المتوفى: 776هـ) .الناشر: دار الكتب العلمية ، بيروت . الطبعة:
الأولى، 1424 هـ.
9 - سقوط غرناطة ، شوقي أبو خليل ، دار الفكر ، الطبعة
الثانية ، 1981م.
10 - في الأدب الأندلسي ، للدكتور فوزي سعد عيسى. دار المعرفة
الجامعية.
وصلى
الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه:-
إبراهيم محمد إبراهيم
الصياد.
تحريرا في مساء يوم السبت:-
7/ربيع
أول/1439هـ
25/نوفمبر/2017م.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) {آل عمران:102}
(2) {سورة النساء:1}
(3) {سورة الأحزاب:70-71}
(4) تم: اكتمل ، ومضادها: نقص. يغر: يخدع.
وهو فعل مضارع مجزوم بلا الناهية وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالفتح للتخلص من
التقاء الساكنين.
(5) دول: جمع
دولة، أي: متداولة يوم لهؤلاء ويوم لأولئك. سره: أفرحه، ومضاده: ساءه.
(6) الدار: الدنيا. شان:حال.
(7) سابغة: سبغ الشيء سبوغا
: طال وتمَّ ، واتَّسع فهو سابغ ، وهي: سابغة والجمع: سوابغ وسابغات. نبت: نبأ الشيء نبْئا ً
ونبوءاً: ارتفع وظهر ، ويقال: نَبأ نَبْئاً ،
ونَبْأةً: صات صوتا خفيفا. خرصان: الخُرصُ:
الجِرابُ ، والحلْقة من الذهب والفضة، والقُرط ذو الحبة الواحدة ، والجمع
أخراصٌ وخِرُصان بضم الخاء وكسرها.
(8) الغِمْدُ: غلاف
السيف ، والجمع أغماد.
(9) أكاليل:جمع إكليل وهو
ما يضعه الملوك على رؤوسهم.
(10) إرَمُ: قوم
منهم عاد ، وقيل: مدينة كبيرة لهم.
(11) قارون وشدادٌ:- أسماء أشخاص. عادٌ وقحطانُ:- أسماء مدن وقبائل.
(12) قضوا: أتاهم أمر الله ، والمعنى يتضمن الموت والعذاب.
(13) خيال الطّيفِ
وسْنانُ: ما يراه الشخص
في النوم أو الخيال.
(14) دارَ: عاد
إلى الموضع الذي ابتدأ منه.
(15) سُليمانُ: نبي من أنبياء الله آتاه
الله الملك والحكمة.
(16) الدهرِ: الزمانُ الطويلُ.
(17) السلوان: ما يذهب الهمَّ
والحزن.
(18) الجزيرةَ: الجزيرة الأيبيرية وهي
الأندلس. هوى: وقع وهلك. أُحدٌ: جبل معروف يطل على المدينة
المنورة. وانهدَّ: تحطم وانهار. ثهلان: جبل في عالية
نجد وتحديدًا في بلدة الشعراء.
(19) أقطارٌ: جمع قطر وهو: الناحية
أو الجهة أو الجانب.
(20) بَلَنْسيةً ومُرْسِيةً وشاطبةٌ
وجَيَّانُ: أسماء مدن أندلسية سقطت.
(21) قُرْطبة: من أهم مدن الأندلس وقد سقطت. سَما: علا وارتفع.
(22) حمص:- إشبيلية
، وسميت بحمص: نسبة لنزول جند
الشام فيه أول مرة. نُزَه: الحدائق الغناء. فياض: نهرٌ فيّاضٌ: كثيرُ الماءِ.
(23) أركانَ: أعمدتها.
(24) الحنيفية: الشريعة
السمحاء ، لأنها: تحنف عن الكفر والضلال والشرك والطغيان ، وأصل الحنف: ميل في إبهام القدمين إلى الداخل. هيمانُ: عطشان ، والمراد من العطش: شدة الشوق.
(25) أقفرت: خلت. وعكس القف: العمران.
(26) نواقيس: جمع ناقوس وهو: جرس
يقرعه النصارى في الكنائس للصلاة. صلبان: جمع صليب
، وهو: خشبتان
متقاطعتان يعتقد النصارى أن المسيح عليه السلام صلب عليها بعد قتله على يد اليهود.
وقد كذبهم القرآن الكريم.
(27) المحاريب: جمع محراب ، وهو: المكان
الذي يقف فيه الإمام في المسجد ، ويسميه العوام في
مصر: القبلة. المنابر: جمع منبر ، وهو: مكان
عال يقف عليه الخطيب لأداء الخطبة. عيدان: جمع عود
، وهو: كل
خشبة دقيقة كانت أو غليظة ، رطبة كانت أو يابسة.
(28) الغافل: الساهي غير
المتيقظ. السنة: النعاس والغفوة تكون قبل النوم. يقظان: منتبه.
(29) تَغرُّ: تخدعه وتطمعه.
(30) نسيانُ: فقْدَانُ.
(31) عتاقَ: جمع عتيق وهو:
الفرس الكريم. ضامرةً: هزيلة. عقبانُ: من الطيور الجارحة ، والمفرد: عقاب.
(32) مُرْهَفة: أي: الحادة. النقعِ: الغبار الذي تثيره حوافر
الخيل في معركة القتال.
(33) وراتعينَ: في تاج العروس عن ابْن الأَعْرابِيّ : رَتَعَ كَمَنَع رَتْعَاً
ورُتوعاً ورِتاعاً بالكَسْر أَكَلَ وشَرِبَ وذهبَ وجاءَ ما شاء ، وأصلُ الرَّتْع للبَهائم ويُستعارُ للإنسانِ إذا
أُريدَ به الأكْلُ الكثير ، كما حقَّقَه الأَصْبَهانيُّ في المُفردَات
والزَّمَخْشَرِيّ
في الأساس. دَعَةٍ: رَغد عَيْشٍ مع راحة وسكينة. عز: أُبَّهَةٍ وَمَجْدٍ.
سلطان: قوّة ونفوذ وسيطرة.
(34) نبأ: خبر.
(35) يستغيث: يستنصر ويستعين. المستضعفون: من أصابهم الذل ولا يملكون القوة. يهتزّ: يتحرك.
(36) التقاطع: الهَجْرُ.
(37) نفوسٌ أبِيّاتٌ: أي: التي تأبى الظلم ، ولا تقبل
الضيم.
(38) أحال حالهمُ: أي: حوَّل وغيرَّ حالهم.
(39) عبدان: جمع:
عبد ، وهو: الرَّقيق المملوك غير الحُرّ ، إنسان يُباع ويُشترى.
(40) حيارى: جمع:
حائر وحيران ، وهو: من ضل طريقه. الدليل: هو
الهادي الذي يدل على الطريق.
(41) بكاهم: بكاءهم. هالك: روعك وأفزعك. استهوتك: غلبتك
وسيطرت عليك.
(42) رُبَّ: حرف جر يدخل على
النكرة فقط ، ودخوله هنا يدل على التكثير. حيل بينهما:
فرّق بينهما.
(43) طَفلة: بفتح الطاء ، هي: الفتاة
الناعمة الرقيقة. ياقوت: حجر من الأحجار الكريمة
يستعمل للزينة، وجمعه يواقيت. مَرْجانُ: حجر من
الأحجار الكريمة أحمر اللون غالبا يخرج من البحر ، ويستعمل للزينة أيضا.
(44) العِلجُ: الرجل
الضخم من كفار العجم ، والبعض يطلق العلج على الكافر مطلقاً ، ويجمع على أعلاج
وعلوج.
(45) كمد: أي: الهم والحزن الشديد.
(46) مرجع القصيدة:- {نفح
الطيب من غصن الأندلس الرطيب:- 4 / 487 : 488. – ت: إحسان عباس - الناشر: دار
صادر- بيروت. سنة: 1408هـ - 1988م}.
وقال معقبا: انتهت القصيدة الفريدة ، ويوجد بأيدي الناس زيادات فيها ذكر غرناطة وبسطة
وغيرهما مما أخذ من البلاد بعد موت صالح بن شريف ، وما اعتمدته منها نقلته من خط
من يوثق به على ما كتبته ، ومن له أدنى ذوق يعلم أن ما يزيدون فيها من الأبيات
ليست تقاربها في البلاغة ، وغالب ظني أن تلك الزيادة لما أخذت غرناطة وجميع بلاد
الأندلس إذ كان أهلها يستنهضون همم الملوك بالمشرق والمغرب ، فكأن بعضهم لما
أعجبته قصيدة صالح بن شريف زاد فيها تلك الزيادات.
(47) معاني المفردات مأخوذة
من:{تاج العروس من جواهر القاموس ، محمّد بن محمّد بن
عبد الرزّاق الحسيني ، أبو الفيض ، الملقّب بمرتضى ، الزَّبيدي. دار الهداية} و {المعجم
الوسيط ، مجمع
اللغة العربية بالقاهرة (إبراهيم
مصطفى / أحمد الزيات / حامد عبد القادر / محمد النجار) . دار الدعوة. بتصرف كبير} و {الأدب الأندلسي والجديد فيه . أ.د. رفعت التهامي عبد البر.
ص224 إلى 225 . الطبعة الأولى: 2009} ولقد
أخذها صاحب الكتاب السابق من المعجم الوجيز.
(48) {نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب: 486}.
(49) {الذيل
والتكملة لكتابي الموصول والصلة. المؤلف: أبو عبد الله محمد
بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي. ص 50 . بتصرف كبير. حققه
وعلق عليه: الدكتور إحسان عباس، الدكتور محمد بن شريفة، الدكتور بشار عواد معروف. الناشر:
دار الغرب الإسلامي، تونس .
الطبعة: الأولى، 2012 م}.
(50) {نفح
الطيب من غصن الأندلس الرطيب: 486}.
(51) {نفح
الطيب من غصن الأندلس الرطيب: 489}.
(52) {تاريخ العرب في الأندلس. تأليف حسن مراد. ص 159 – 160 .
بتصرف كبير. المطبعة الحديثة الطبعة الأولى: 1348 هـ - 1930 م }.
(53) {الأدب
الأندلسي موضوعاته وفنونه ، للدكتور مصطفى الشكعة ص 549}.
(54) {الإحاطة
في أخبار غرناطة : ج 3 : 287 . المؤلف: محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني اللوشي
الأصل ، الغرناطي الأندلسي ، أبو عبد الله ، الشهير بلسان الدين ابن الخطيب
(المتوفى: 776هـ) .الناشر: دار الكتب العلمية ، بيروت . الطبعة: الأولى، 1424 هـ}.
(55) {سقوط
غرناطة ، شوقي أبو خليل ، ص 30 ، دار الفكر ، الطبعة الثانية ، 1981م}.
(56) {الأدب الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. للأستاذ
الدكتور: رفعت التهامي عبد البر. ص 225 : 226 . الطبعة الأولى 2009م}.
(57) وللأمانة العلمية وجدت في كتاب {في الأدب الأندلسي.
للأستاذ الدكتور: فوزي سعد عيسى. ص 43. دار المعرفة الجامعية} أنه قد ذكر ابن عذاري وكذلك
صاحب الذخيرة السنية أن الرندي نظمها
سنة 665 هـ حين تنازل ابن الأحمر عن شريش وبعض
الحصون الأخرى للنصارى.
وهذا يعني أن هناك رأيا يقول: بأن شريش لم يستولي عليها النصارى هكذا بل قد تنازل
عنها ابن الأحمر.
(58) {الأدب
الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د. رفعت التهامي عبد البر. ص226 -
227 . الطبعة الأولى 2009}.
(59) {الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه : تأليف الدكتور مصطفى
الشكعة. ص549 . دار العلم للملايين}.
(60) {في الأدب الأندلسي: للدكتور فوزي سعد عيسى.ص45 . دار
المعرفة الجامعية}.
(61) {الأدب الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د.
رفعت التهامي عبد البر. ص227 . الطبعة الأولى 2009}.
(62) {في
الأدب الأندلسي: للدكتور فوزي سعد عيسى.ص45 . دار المعرفة الجامعية}.
(63) {الأدب الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د.
رفعت التهامي عبد البر. ص227 . الطبعة الأولى 2009}.
(64) {الأدب الأندلسي موضوعاته وفنونه : تأليف الدكتور مصطفى
الشكعة. ص551 . دار العلم للملايين}.
(65) {في الأدب الأندلسي للأستاذ الدكتور فوزي سعد عيسى . ص45 –
46 . دار المعرفة الجامعية}.
(66) {الأدب
الأندلسي موضوعاته وفنونه للدكتور مصطفى الشكعة. ص551 – 552 . دار العلم للملايين}.
(67) {الأدب الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. للأستاذ
الدكتور: رفعت التهامي عبد البر ، ص227 – 228 . الطبعة الأولى 2009}.
(68) {الأدب
الأندلسي موضوعاته وفنونه . للدكتور: مصطفى الشكعه. ص552 – 553 . دار العلم
للملايين}.
(69) {الأدب الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د.
رفعت التهامي عبد البر ، ص228 ، الطبعة الأولى 2009}.
(70) {في الأدب الأندلسي. للأستاذ الدكتور: فوزي سعد عيسى. ص46 .
دار المعرفة الجامعية}.
(71) {الأدب الأندلسي موضوعاته
وفنونه . للدكتور: مصطفى الشكعه. ص553.
دار العلم للملايين}.
(72) {الأدب الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د.
رفعت التهامي عبد البر ، ص 228 – 229، الطبعة الأولى 2009}
(73) {الأدب الأندلسي موضوعاته
وفنونه . للدكتور: مصطفى الشكعه. ص553.
دار العلم للملايين}.
(74) {الأدب الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د.
رفعت التهامي عبد البر. ص229. الطبعة الأولى 2009}.
(75) {في الأدب الأندلسي:
للدكتور فوزي سعد عيسى. ص 47. دار المعرفة الجامعية}.
(76) {سورة
لقمان: 18}.
(77) {الأدب
الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د. رفعت التهامي عبد البر. ص229 –
232. الطبعة الأولى 2009}.
(78) {الأدب
الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د. رفعت التهامي عبد البر. ص233.
الطبعة الأولى 2009}.
(79) {(الأدب
الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د. رفعت التهامي عبد البر. ص 233 –
235. الطبعة الأولى 2009) وقد استخلصها من: الرثاء
للدكتور:
شوقي ضيف}.
(80) {الأدب
الأندلسي والجديد فيه دراسة تحليلية ونقدية. أ.د. رفعت التهامي عبد البر. ص 236 –
238. الطبعة الأولى 2009}.
(81) {نفح
الطيب من غصن الأندلس الرطيب:- الجزء الرابع 488. – ت: إحسان
عباس -
الناشر: دار صادر- بيروت. سنة: 1408هـ - 1988م}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق