من الفشل إلى النجاح
تمهيد:- النجاح حلم الجميع ، شقينا وسعيدنا ، إلا أن
الكسل يعتري أكثرنا ، فيستمسكوا به حتى يظنون أن النجاح ليس لهم ، فيستمروا في
فشلهم ، ويسلكوا أحد طريقين ، إما أن يجعلوا تربية أبنائهم مبنية على النجاح ، أو
يعلقوا فشلهم على الآخرين.
أما بعضنا الآخر فحينما يواجههم الكسل ،
تجدهم مستعدون له فيحطمونه قبل أن يتحكم بهم ، ويكسرون شوكته ، ثم ينظرون لأسباب
الفشل ، وماذا بعد الفشل؟ ، ولماذا الفشل؟ ، وكيفية مواجهته ، والطريق
إلى النجاح ، وماذا بعد النجاح؟ ، فلا يموتون إلا وقد كتب عنهم التاريخ شيئا.
وما الفشل:- إلا شعور وجداني ، يأتيك عندما تتمسك بأسبابه
، فتشعر بالانكسار ، والانكسار إن ظهر على وجهك ورآه الناس ، هنا تكون الطامة
الكبرى ، لأنه سبب في تثبيته وعدم نسيانه.
أسباب الفشل
وللفشل أسباب سبع ، وهم لا يأتون لأحد ، بل
من يسير في درب النجاح ينحرف عن طريقه ويتمسك بأحدهم.
وهم:-
1 - معصية الخالق:-
فإن عصيان الخالق سبحانه وتعالى جريمة عظيمة
في حق نفسك وفي حق مستقبلك ، ولا يبنى نجاح على معصية الخالق سبحانه وتعالى.
وربما تسول لك نفسك أن تعصي خالقك وتحدثك:-
ها هم الغرب ، أليسو غير مسلمين؟ فكيف نجحوا؟ وكيف تفوقوا علينا؟.
وتنسيك:- أن المسلمين هم من ابتعدوا عن شرع الله ، فعندما
كانوا معتصمين به كانوا أسياد العالم ، ولكن عندما تناحروا فيما بينهم وانقسموا
شيعا وأحزابا حتى تعاونوا مع أعداء الإسلام على المسلمين من أجل عَرَض ما زائف ، ذلو
بعد عز ، ودارت الدائرة عليهم ، وسيبقوا
هكذا إلى أن يرجعوا إلى الاعتصام بدين الله وشريعته.
وتنسيك كذلك أن الله يمهل ولا
يهمل:- فهم إن كانوا تفوقوا في شيء ما ، فإن هناك شيئا آخر فشلوا فيه ، وكلما
نجحوا في شيء مادي ، خسروا شيئا معنوي.
كنجاهم في المال ، وخسارتهم الأخلاق ، وابدال
السعادة الحقيقية بالسعادة الزائفة ، إلى ما يعادل الكفة بيننا وبينهم ، حتى يأتي
زمن اليقظة.
ومن الممكن أن تحدثك نفسك بأن صاحبك أو أحد
زملائك حقق حلمه في وقت قصير رغم أنه عاصي ، فتكون حجة لها بأن تستأنف العصيان.
ولكنها تنسيك حديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ:{إِذَا رَأَيْتَ اللَّهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مَا يُحِبُّ وَهُوَ مُقِيمٌ
عَلَى مَعَاصِيهِ فَإِنَّمَا ذَلِكَ لَهُ مِنْهُ اسْتِدْرَاجٌ ، ثُمَّ نَزَعَ
هَذِهِ الآيَةَ:(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ
شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم
مُّبْلِسُونَ (44) فَقُطِعَ
دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا ۚ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (45)}.(1)
فإياك وطاعتها فتأمن مكر الله.
فقد
قال الله تعالى:{فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.(2)
فاتق الله وكن مع الله فقد قال جل جلاله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ
ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا
اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (19) لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ
وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۚ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ (20)}.(3)
وإياك يا صاحبي أن تنسى أن عصيان
الخالق جل جلاله هو أول أسباب الفشل:-
فمن عصى الله سبحانه هانت عليه نفسه ، ومن
هانت عليه نفسه هانت عليه الطاعة ، ومن هانت عليه الطاعة أعرض عن ذكر الله ، ومن
أعرض عن ذكر الله فإن له معيشة ضنكا ، ومن كانت معيشته ضنكا زلت خطواته ، ولا يقدر
على اتمام انجاز ، أو أن يبدأ فيه ، بل يرجع إلى نقطة البداية.
قال تعالى:{وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي
أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا
فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى}.(4)
2 - سوء الخلق:-
واعلم يا
صاحبي أنك إن كنت عديم الأخلاق فلن تقدر على وضع التخطيط الملائم لمشروع نجاحك ،
بل سيهدم مشروعك لكثرة الخصومات ، والمشاكل ، والأضرار التي تقع عليك بسببك لا
بسببهم ، وهذا يؤدي بك إلى الوقوف ، وانهيار أحلامك ومشروع نجاحك ، وهذا ما نعرفه
بمصطلح واحد لا ثاني له ، وهو مصطلح الفشل.
3 -
عدم التخطيط الملائم:-
فإنه سبب الأمراض والدمار النفسي فيما بعد ، وربما
يصل بك إلى ضياع ماتملكه من تقدم ونجاح قبلا.
*ويرجع عدم التخطيط الملائم إلى
أسباب عدة منها:-
أولا:- عدم الاستعانة بالله سبحانه
والتوكل عليه:- فالله هو الملهم والمرشد للإنسان وقت الإصرار والعمل.
فقد قال الله تعالى:{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ
فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ}.(5)
فيسبب لك أسباب نجاحك من حيث لا تشعر.
ثانيا:- عدم
وضعك منهج محدد:- وهذا راجع لعدم رؤيتك حجم قيمة النجاح ، ومسئولية
تحقيقه خطوة إثر خطوة ، وهذا بالطبع يسبب لك الفشل وعدم النجاح.
ثالثا:- عدم الهدوء والتركيز أثناء
وضع الخطة:- فهذا يؤدي إلى نسيان بعض الأمور الهامة ، مما يؤدي إلى خيبة أمل طويلة
المدى ، وضياع النجاح ، والمزيد من الفشل.
رابعا:- عدم استشارة الخبراء والمتخصصين:-
فإنك إن لم تستشر الخبراء والمتخصصين ، فأنت كالغريب الذي سيسلك طريقا لا
يعرف مساحته ، ولا ما فيه من عقبات ، ومتى الانتهاء منه؟.
وهذا بالطبع يؤدي إلى اليأس ، عندما تنتهي من
الوصول في شوط كبير من الطريق ، فتظن أن الدنيا أصبحت مظلمة ، يملأها السواد من كل
جانب ، فترجع إلى ما كنت فيه فتندم.
فلا أنت حققت مخططتك ، ولم تتقدم عن النقطة
الأساسية التي كنت فيها ، بل تخلفت عنها ، فخسرتها ، أو على أقل تقدير خسرت شيئا
منها ، وبالتالي أصبحت في تعداد من فشلوا.
خامسا:-
التبعية العمياء:- والتبعية هي التعصب لمنهج أمة من الأمم ، أو
منهج شخص من الأشخاص ، وأخذ أفكارهم تقنينا لحياتك المستقبلية.
وهذا بالطبع
شيء يؤدي بك إلى الفشل والضياع ، لأن لكل أمة بيئتها ، ولكل إنسان طريق يسير فيه
متعصبا له.
سادسا:-
عدم اختيار الشركاء المناسبون:- فإنك إن لم
تختر الشريكاء المناسبون للعمل معك ، فكل سيدلي برأيه ، ويحدث الخلاف ، وتجدهم
لايريدون أن يجتهدوا مثلك ، بل يريدون أن تعمل وتجتهد ، فتزرع ويحصدون ، فتعتبرها
خيانة ، وبالطبع ستأتي المشاكل الجمة ، فينهار مشروع نجاحك ، فتصبح من الفاشلين.
4 - خطأ في التنفيذ:-
والمعني أنك أخطأت في تنفيذ منهجك
باختيارك السير في سبيل من سبل ثلاثة:-
أولهم:- عدم
التوكل على الله حق توكله:- وعدم التوكل
على الله حق توكله بمعنى أنك من الذين يقولون:- اتركها على الله.
بدون أن تبادر
بفعل شيء ، وهذا يسبب لك الضياع والتشريد والفشل.
وفي
الأثر:- أنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ
بِأَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ المُتَوَكِّلُوْنَ.
فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمُ المُتَّكِلُوْنَ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالمُتَوَكِّلِيْنَ؟
رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّةً فِي الأَرْضِ ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ.
ثانيهم:- تخليك عن شيء قد خططت له
وهو من المهم في شيء:- ومعنى هذا أنك قد تركت
بعض الأمور التي تمثل همزات وصل دون أن تدري ، وهذا ما سيجعلك وأنت تسير في درب
النجاح تائها حيرانا ، فتتعثر قدماك ، فتقع وترجع إلى نقطة البداية.
ثالثهم:- جني الثمرة قبل نضجها:- أي أنك قد
قررت أنك قد انتهيت ، وأنت في الحقيقة لم تنتهي ، وإنما نشوة الفرح جعلتك تظن أنك قد
أنهيت المهمة بعد أن فعلت ما خططت له ، ولكن دون أن تربط عليها بشدة ، بواسطة حبل
من الاستحضار واليقظة وانتظار العواقب إن انتهيت.
فإن جنيت الثمرة قبل نضجها:- ستخسر تعبك
السابق كله في لمحة بصر.
وهذا سيكون
أشد عليك من أصدقائك الذين سلكوا في دروب الفشل الأخرى ، خاصة عندما تستيقظ ، فربما
تؤذي نفسك ، أو يصل الأمر إلى عواقب وخيمة لم تكن تتخيلها ، تضر بها نفسك ، ويصل
الأمر إلى هلاك عائلتك وأقرب الناس إليك.
5 - هبوط العزيمة:-
والمعنى
أنك قد بدأت تسلك طريق تحقيق ما خططت له ، وظهر النجاح أمامك في آخر الطريق ، فتظن
أنه سيأتيك ، فتقلل من سرعة سعيك شيئا فشيئا لسبب من ثلاث:-
أولها:-
الكسل:- والكسل هذا داء له دواء ، وهو صده
منذ الوهلة الأولى بطريقة ما.
ولكن إن
استسلمت له منذ البداية ، فسيتغلغل فيك ، حتى يسكن جوارحك ، فترجع خطوة وراء خطوة ،
بعد أن كان الضد ، وتمل نفسك والحياة ، حتى تشعر بالضيق الشديد الملازم ، وكأنه لا
يود المغادرة ، فتطلب لكسلك هذا الرحيل ، وتطلب للضيق التخلص منه ، فتتضاءل أحلامك
، وتنسى تخطيطك ، فتفشل فشلا ذريعا ، إلى أن تكره نفسك ، وتبقى على هذا الحال طوال
عمرك ، ولا تطلب سوى الخلاص ، ولكل إنسان منا طريقته في استجلاب الخلاص الخاص به ،
ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ثانيها:- الطمع:- وأما عن
هذا الأمر فهو أنك تجد عند سعيك لتحقيق مخططك الخاص بك ، أناس عن اليمين وعن
الشمال ناظرون ، فمنهم من يعجبك حاله ، ومنهم من يسوئك مظهره ، فترجع للنظر إلى من
حياته مرفهة ، أو على أقل تقدير من كان أفقر منك البارحة ، وأصبح أفضل منك اليوم ،
فتظن ظن السوء في نفسك ، وتحدثك نفسك بكل شر.
فتقول:- أنت تسير
في طريق طويل لتعاني وتكابد لتصل إلى النجاح ، وهذا قد وصل في لحظات ، وهو أفضل
منك الآن ، ويجني أكثر مما ستحصله بعد نجاحك ، ومعنى هذا أنك ستكون أقل منه مهما
وصلت.
فتقرر:- لا لا لن
أستمر في هذا الطريق ، بل أنظر إلى طريق آخر أسلكه ، أو على الأقل أسلك طريقا آخر
يوصلني إلى الأفضل ، فأجني المزيد.
وأنت إن نظرت
للأمر نظرة عقلية ، ستجد أنه ليس هناك ما يسمى بسلوك طريقين في آن واحد.
وبالطبع
ستنشغل بالمسير في الطريق الآخر ، فتفشل فيه ، فترجع لطريقك ، فتنسى تخطيطك السابق
، فتضحى تائها ضائعا شريدا فاشلا ، وفي النهاية لا تقدر على الاستمرار في سيرك ، بسبب
العقبات الجديدة ، التي لم تكن موجودة في السابق ، ولم تحسب لها حسابا ، فترجع ،
لأن من رجع مرة يرجع ألف مرة ، فتتحسر على نفسك ، وتكون في النهاية لا شيء.
فإياك يا
أخي والطمع ، فالطمع ينهيك ، ويجعلك تخسر الكثير من المكارم الأخلاقية ، ويبعدك عن
منهج الله وشريعته ، ويأتيك بويلات الفشل.
ثالثها:- مصاحبة التعساء:- وهو أن
تنهض ، فتسعى لتحقق ما خططت ، فتجد عند المسير أناس راسبون في كل شيء إلا شيئا
واحدا ، وهو أن يحبطوك نفسيا ووجدانيا ، فيصاحبوك ، أو تصاحبهم ، أو تجبر على
مصاحبتهم ، فتجدهم يُصَعِّبون عليك الأمور ، ويقللون من مقدرتك على الاستمرارية ، ويشعروك
أنك لست أهلا للنجاح ولا التفوق.
ووسيلتهم
في ذلك تعديدهم سِيَر من فشلوا لسبب خفي ، لا يعلموه ولا تعلمه ، فلا تصدق في
البداية ، فتظهر منهم التعقيدات واختلاق المشاكل ، والعثرات ، فتقع في شراكهم ، فتنحرف
عن طريقك بالذهاب إلى طريق رغباتهم ، فتمسي منهم وتصدقهم ، وتكون فاشلا مثلهم ، داعية
للفشل.
6 - النظر إلى سلبيات الحياة:-
وهذا له صورتان:-
وهما:- النظر إلى
حالتك – النظر إلى مجتمعك.
الصورة الأولى:- النظر إلى حالتك:-
فألوانها اثنان:-
اللون الأول: الفقر:- فبعد أن
تخطط لنفسك منهجك الذي ستسير عليه ، بغية النجاح ، تنظر لنفسك وتقول:- تخطيطي
يحتاج إلى المال ، وأنا فقير.
فتجلس هكذا
، حتى تمل الجلوس ، وتصرف النظر عن حلم النجاح ، فتبقى جالسا ، فاجلس هكذا دوما ، وتحجج
دائما بحجة الفقر ، إلى أن تصبك الأمراض ، فلا تهنأ ولا ترتاح ، وتوقن أنك في
تعداد الفاشلين.
اللون الثاني: ضعفك النفسي والجسدي:-
فتظن بنفسك ظن السوء ، فتذكرك بأنك لن تقدر على النجاح ، لأنك ضعيف نفسيا ،
فليس عندك طول بال ولا عزيمة ، ولا قوة على التغيير.
وضعيف جسديا ، لأن الأمر يحتاج إلى مثابرة
وقوة ، وأنى لك ذلك ، وبمجرد أن تبدأ في تحقيق نجاحك سيأتي هذا ليؤذيك بأي صورة من
صور الأذى ، ولن تقدر على المقاومة.
فتخوفك ، وتذكرك بأعداءك ، وتجعلك تنظر إلى
طريقة حديثهم معك ، وأفعالهم التي تغضبك ، وما وصلوا إليه من نجاحات لم تصل إليها
أنت.
ومريضا:- لا تقدر على الحركة ، فبقيامك من الفراش
سيزداد الأمر سوءا على سوء.
فتترك الأمر برمته ، وتجلس ، ورغم جلوسك لن
تشعر براحة ، فتسير لتنظر إلى مصالحك الدونية ، فلا ترتاح ، وتشعر بالانكسار ، فابقى
هكذا دائما ، إلى أن يأتيك يوم تتيقن فيه أنك من الفاشلين.
فإن تخلصت من هذه الصورة نجدك تقف
أمام الصورة الثانية.
الصورة الثانية:- النظر إلى مجتمعك:-
وهذا أساسه انتشار الفساد وهذا له ألوان ثلاثة:-
اللون الأول: جبناء:- فهم أسود عليك ، وعند أسيادهم نعامة.
وهذا السبب
راجع إلى حلمك بأنه حلم اصلاحي ، وليس في تخصصك.
ومجتمعك على قسمين:-
الأول:- جبناء جبنا زائدا عن
الحد ، فلا يقدروا على التفوه بكلمة:- لا.
الثاني:- أقوياء
أمامك ، جبناء أمامهم.
وإن كان
الأمر كذلك ، وقعدت عن المضي قدما نحو تحقيق حلمك ، فاعلم علم اليقين أنك أصبحت من
تعداد الفاشلين.
اللون الثاني: انتشار الظلم:- فهذا لأنه
ابن السيد المكرم المطاع ، يقدم ويسمع لآرائه التدميرية ، ولأنك ابن الإنسان
البسيط ، تؤخر وتوضع في محاكمة ، فإما إلى سخرية لاذعة ، وإما إلى نفي ، وإما إلى
عذاب.
وبالطبع إن
تأثرت فإنك ستنهار وجدانيا ، وبذلك ستضع لنفسك قوانينا في هذه الحياة لتسير عليها ،
وبذلك سينهار مشروعك ، وبذلك أصبحت سفيها فاشلا مثلهم ، فهنئيا لك بالسفاهة ، وهينئا
لك بالفشل.
اللون الثالث: انتشار الرشوة:- فترى
منهجهم ادفع أو اتعب.
فتختار
الدفع ، فتصير لا شيء ، لأنك ابتعد عن منهج الله ، أو تختار التعب ، فتجد أن من
يدفع يسبقك ، فتقف ، فتصبح من الفاشلين.
7 – زهوك بالنجاح والانتصار:-
وهو أنك
خططت ، فسرت في درب النجاح ، فوصلت إلى نهاية الطريق ، ففرحت بوصولك ، وتماديت
بالغرور والتكبر ، ونسيت بأن هناك آخر يسير في درب النجاح ، وفي يوم سيتفوق عليك ،
وأنت تتمادى في الغرور والتكبر ، فتتخلى عن أسباب النجاح التي سرت عليها ، ولا
تستأنف ما بدأته ، من زيادة في التمكين من نجاحك ، وتتمرد على من عاونوك ، وجعلوك
شيئا ، فتتخذ لك بطانة سوء ، بعد أن كنت لا تتقدم خطوة إلا إذا استشرت أهل الخبرة
وكنت دائما مع الجليس الصالح ، فيزيدوك تمادي على تماديك ، إلى أن يأتيك وقت
الاختبار ، وهو وجود شخص في نفس مكانتك القديمة ، يستغيث بك ، ويطلب مساعدتك ، فتتكبر
عليه ، وترفض مساعدته ، وتسخر من حلمه ، هنا يتفوق عليك من سار ورائك في درب
النجاح ، ويعلوا عليك ، فيكون سببا في هلاكك.
وماذا بعد الفشل؟
وبعد الفشل تأتيك التعاسة لتصاحبك ونراك
تختار أحد ثلاث:-
الأول: استقبالها استقبالا يعلي من
قيمتها:- فإن استقبلتها استقبالا يرفع من
شأنها فإنها ستسكن جوارحك ، وهذا يؤدي بك إلى العيش في ألم وعذاب ، فتشعرك بخسارة
كل شيء وتقدم من كانوا أقل منك شأنا البارحة ، وتراها لا تغادرك.
ومن هنا تختار أحد طريقين:-
1 – إيذاء نفسك:- فتقوم بفعل
الحرام وأشياءا تغضب الله عز وجل ، فتتغير شخصيتك تماما ، ومن الممكن أن تفكر في
الانتحار ، أو تنتحر فعلا.
2 – التلاوم:- وهو ما
نسميه بتعليق فشلك على الآخرين.
وهذا له أنواع:-
أولهم:- تعليق فشلك على شريكك:- فتقول
لشريكك: أنت السبب ، وأنت من فعلت ، وأنت من أشرت بالنصائح والحكم التدميرية.
فتكونا كأصحاب الجنة وقت رؤيتهم
هلاكها:- فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون.
ثانيهم:- تعليق فشلك على عائلتك:- فتقول لمن
يعيش معك: أنتم لم تساعدوني ، بل كنتم سببا في تحطيم أحلامي وعدم اتخاذي أي قرار،
فشتتم أعصابي ، حتى أصبحت لا أستطيع أن أفرق بين الرأي الصواب أو الرأي الخطأ ،
إلى أن وصلت إلى هذه النتيجة.
ثالثهم:- تعليق فشلك على دولتك:-
وهذا على نوعين:-
أ – المجتمع:- فتقول:
مجتمع جاهل ، يعيش في الظلمات ، ولا يحترم العلماء ، ولا يريد أي انجاز ، ولا يريد
أن يحقق الغنى لنفسه ، فهم لم يساعدوني ، بل استهزأوا بي ، إلى أن وصل الأمر إلى
حالي هذا.
ب – الحكومة:- فتقول: لا
يهمهم إلا الوراثة ، فابن القاضي قاضي ، وابن الوزير وزير ، وابن الحاكم مثله ، فينظرون
إلى غاياتهم ومصالحهم ، لا مصالح الشعب ، ولو أخذوا بيدي لكانوا وكنت معهم شيئا.
الثاني:- استقبالها وقتا وتستيقظ
بعدها:- أما إن كنت ممن جائتهم التعاسة
فاستقبلوها وقتا واستيقظوا بعدها فقمت بطردها.
فإننا سنجدك تقوم باتخاذ قرارين
هامين:-
أولهما:- تهدأ نفسك بجملة لست
الوحيد الذي فشل:- غيري في مكانتي فشل كذلك
، وهذا معناه أن أصبر قليلا فالخير آت إن صبرت ، وفي الغد سنرى.
ثانيهما:- أن تجعل تربية أبنائك
مبنية على النجاح:- فتعمل عملا جديدا ، أو
تستأنف عملك القديم ، وتربي ابنك على النجاح ، وتسقيه من خبرتك ، حتى يشتد عوده
وقد أصبح ناجحا.
الثالث:- عدم استقبالها
ومحاربتها:- أما إذا جائتك التعاسة ، فلم
تستقبلها ، وقمت بمحاربتها وتحطيمها ، فأنت ستنظر بعدها إلى الأسباب التي أوصلتك
إلى الفشل ، وتوجه لنفسك بعض الأسئلة.
وهي:- وماذا بعد
الفشل؟ ، ولماذا الفشل؟ ، وما كيفية مواجهته؟ ، وما طريق النجاح؟ ، وماذا بعد
النجاح؟.
فتحطم الفشل الذي وصلت إليه ، عن طريق التفكير
في النجاح ، ووضع خطة جديدة له ، والتزام طريقه الحقيقي ، إلى أن تصل إلى الغاية
المنشودة فتتملكه.
لماذا الفشل؟
وكم من أناس وقعوا في هاوية
الفشل فيتسائلون السؤال ذاته: لماذا
الفشل؟.
وهنا أقف وأقول:- أن الفشل
شيء لا بد منه ، خاصة إن نظرت إلى ايجابياته ، ولم تنظر إلى سلبياته.
أما عن ايجابياته:- فما هي
الدروس المستفادة مما وصل إليه حالك؟ وماذا ستقرر بعدها؟.
وأما عن سلبياته:- ففي
استسلامك له ، وجلوسك في مكانك ، وكأنك في عزاء خاص بك ، ثم تقف ، فتتراجع ، إلى
أن تسقط في هاوية التعاسة والندم.
ولكن للفشل ثلاث ثمرات جنية المنظر
، حلوة المذاق:-
أولها:- هداية من الله:- بمعنى أنك
تعصي خالقك بمعصية لا تقدر على التخلص منها ، تتوب اليوم وتعصيه غدا ، وتتوب الغد
فتعصيه ليلتها ، فيأتيك الابتلاء في شيء ما ، فتراجع ذكريات أيامك الأخيرة فتعلم
أنك أنت السبب ، وكأنه تنبيه إلهي إلى أنه ليس هناك نجاح مع معصية ، فعليك يا أخي
بالتوبة والرجوع إلى الله.
ثانيا:- هل أنت أهلا للمهمة؟:- والمعنى
أنك قد اخترت طريقا للنجاح ليس من اختصاصك ، وهذا يؤدي بك إلى الفشل الحقيقي ، وهذا
إن دل فإنما يدل على أنك لست أهلا للمهمة.
ومن المؤكد
أنه كلما كانت خطورة الطريق الذي ستسلكه إلى نجاحك الوهمي الذي لست أهلا له ، كلما
كانت نسبة الخراب الذي سيعم عليك ، ويتخطاك إلى أن يصل أهلك وعشيرتك ووطنك وأمتك.
ثالثا:- المزيد من الخبرة:- بمعنى أن
في الأمر توسع لا يراه إلا من اقترب منه ، وهذا إن دل فإنما يدل على أنك الآن في
فترة تعلم ، واستئنافا لوضع الخطة والمنهج ، أما إن نجحت اليوم فلن تعرف قيمة ما
وصلت إليه ، وحينما يأتيك الغد فإنك حتما ستنحدر.
فإن تذوقت
ثمرتك الخاصة واستعذبتها ، فإنك حينها سيكون اهتمامك مركزا في البحث عن شيء واحد
فقط ، وهو مواجهة الفشل.
مواجهة الفشل
وما من أحد تذوق ثمرته الخاصة من ثمرات الفشل
إلا وكان شغله الشاغل كيف أواجه الفشل؟ وهل هو أمرا مستحيلا؟.
وهنا أجيب عليه وأقول له:-
اعلم يا أخي في البداية:- أنه ليس هناك مستحيلا ، بل نحن عندما يتملكنا
الفشل ، ولا يفرح أحد إلا برأيه ، ولا يكون هناك تعاون ، هنا نتحجج بكلمة مستحيل.
إذا: مما ذكرناه نصل إلى نتيجة واحدة.
وهي:- هناك أمل في مواجهة الفشل.
بل:- العلاج موجود ، والكل يعرفه جيدا لكن لأننا
جعلنا الضياع والتيه منهج حياتنا نسيناه.
وما الفشل إلا
شعورا داخليا يأتيك ، وأصعبه هو ظهوره على وجهك ، حتى يراه من حولك ، ويعلموا أنك
فاشلا ، ومواجهته تكون بكسر هذا الشعور ، وكسره يكون بسلك الطرق الآتية.
فهاكم سبل مواجهة الفشل والقضاء
عليه:-
أولا:- إنا لله وإنا إليه راجعون:-
فالفشل مصيبة ، والله أمرنا أننا إذا ابتلينا بمصيبة من المصائب نقول إنا
لله وإنا إليه راجعون.
قال تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ
الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم
مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ
مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}.(6)
ثانيا:- التوبة وكثرة الاستغفار:-
ففي التوبة الفلاح ، وقد أمرنا الله بها حينما قال:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا
أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)}.(7)
وهو الذي يناديك لتتوب ولك منه القبول والمغفرة فهو القائل:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ
اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.(8)
ولا تنسى قوله:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ
السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ}.(9)
وكيف بك لا تتوب وقد حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :"قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى
: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا
كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ
السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي ، يَا ابْنَ
آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي
لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً ".(10)
فإن أردت أن تواجه الفشل فمن غير الله تلجأ
إليه ليكون معك ، وكيف تكون في حماه وحبلك بالرحمن مقطوع.
قف للإله
تأنقا وتجملا وارفع يديك تخشعا
وتذللا
وذرِ الدموع
من العيون تسحها سحاً لمن حاز الجمال
الاكملا
ارغم جبينك
وابكِ في غسغ الدجا وانصب وكن عبدا اتاه
مأملَا
فهو الرقيب
على العباد وستره مع ذا يفيض على
النفوس مظللا
فاسأله ان
اسرفت في عصيانه فهو الكريم سماحة
وتفضلا.
وأما عن استغفارك له:-
فقد قال جل جلاله على لسان نوح عليه
السلام:{فَقُلْتُ
ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارًا (10)
يُرْسِلِ
ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَٰلٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّٰتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَٰرًا (12)}.(11)
فعليك بالتوبة والاستغفار كي تصل حبلك بالغفار ، فبذا
تقدر على مواجهة الفشل.
ثالثا:- لا تظهر حزنك لأحد:-
فالناس إن علموا بما أصابك من هم وحزن فماذا سيفعلون؟.
سيخبروك بشيئين:-
أولهما: اصبر يابني ، فماذا ستفعل غير الصبر؟.
ثانيهما:- قد حدث لنا أكثر مما حدث لك.
وبعد أن يستمعوا لقصتك سيقومون بفعل
شيئين:-
أحدهما:- اخبار الناس عامة بما حدث ، وإخبار أعدائك
خاصة بقصد أو بغير قصد.
ثانيهما:- أصبحت ورقة قد كشفت فقرأت فأهملت.
فعندما تسير أمامهم لا تقدر على رفع رأسك في وجوههم.
ثم ينقسمون إلى فريقين:-
فريق:- يذلك ويعاملك معاملة سيئة حقيرة لا تليق بك.
وفريق:- لا يدخلك في شئونه حتى تشعر بالغربة.
فيجتمع الفريقان على شيء واحد:- وهو استعبادك واستغلالك أسوأ استغلال فتمسي
خادما لهم.
فهكذا هم الناس ، والقاعدة كما تعلم
تقول:- الشكوى لغير الله مذلة.
فكن
كنبي الله يعقوب حينما قال:{إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي
إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا
تَعْلَمُونَ}.(12)
وادعوا ربك ، فهو أقرب لك من الناس ، ويجيب دعوة المضطر
إذا دعاه.
قال
تعالى:{وَإِذَا
سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا
دَعَانِ}.(13)
وهو
القائل:{أَمَّن
يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ}.(14)
فلو أردت أن تواجه الفشل ، فلا تشكوا لأحد من
الخلق ما أصابك ، وإنما عليك بخالق الخلق ، الذي إذا أراد أن يقول للشيء كن فيكون.
رابعا:- ونراه قريبا:- فتصبر ، فإن الله مع الصابرين.
وتبدأ بالوقوف على قدميك ، حتى تسأل عن
الطريق إلى النجاح ، أين هو؟.
وكلما تبحث عنه أكثر تصبر
وتقول:- ونراه قريبا ، وإن نصر الله قريب.
خامسا:- قراءة سير أنبياء الله:-
ففي قراءة قصصهم هدى ونور ، ورفعة وأمل ،
وشعورا بأن ما أصابك ليس شيئا بالنسبة لما مروا به من محن وشدائد ، وما أجمل أن
تنظر إلى هذا الموقف الذي أخبرنا الله به في سورة البقرة ، الذي يخبرنا أن الله
معنا ولن يتركنا ولكن يريد منا أن يعرف قوة توكلنا عليه وصبرنا.
قال تعالى:{أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ
الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ۖ مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ
وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ
نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}.(15)
فإن قرأت سير هؤلاء الأسوة الحسنة ، لعلمت
جيدا أين طريق النجاح الذي ابتعدت عنك وكيف واجهت الفشل وهزمته.
وإن سلكت السبل التي ذكرناها فإنك حتما قد
شعرت براحة لم تعهدها ، وأنك قد استفدت كثيرا من دخول الفشل حياتك وأنها كانت
تجربة لا بد منها إذ دلتك على درب النجاح.
وحينها لم يبقى لك سوى الدخول في الطريق إلى
النجاح.
الطريق إلى النجاح
وعلى جانبي الطريق سبع محطات نقف في كل محطة
منها لنتزود لرحلتنا.
وهم:-
1 - طاعة الله وتقواه:-
فطاعة الله هي أساس النجاح ، ولا يبنى نجاح
على معصية الخالق سبحانه وتعالى.
وقد أمرنا الله بطاعته فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ}.(16)
ومن أطاعه فقد فاز.
قال تعالى:{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}.(17)
وفي تقواه الهدى والنور ، والقوة واليسر ، والمخرج
من كل شدة ، واستجلاب النعم والمحافظة عليها.
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا
سَدِيدًا (70)
يُصْلِحْ
لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ }.(18)
وقال:{وَمَن
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.(19)
وقال:{وَمَن
يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ
مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ}.(20)
فعليك بطاعة الله وتقواه فهما عين النجاح.
2 - حسن الخلق:-
فحسن الخلق فيه من الفوائد ما
فيه:-
رضا المولى عز وجل –
حب الناس إياك – خدمتهم لك وقت الحاجة – السعادة – تحقيق
النجاح.
وتلكم الخمس ثمار تحتاج إليهم لتكون في يوم
علما من أعلام من نجحوا.
ولكن يجب أن أتوقف هنا وأقول:-
أنه ليس معنى أن تتحلى بحسن الأخلاق أن تكون
ضعيفا عند أخذ الحق ، فهذا يسمى بالخراب ، وليس حسن الخلق ، وشتان ثم شتان بين
الأمرين.
3 – وضع الخطة الملائمة:-
ولكي تضع خطة ملائمة لحياتك عليك
بالأمور الآتية:-
أولا:- الاستعانة بالله والتوكل
عليه:-
فمن استعان بالله وتوكل عليه أعطاه الله
أسباب الرزق والنجاح وأوصله إلى غايته.
فهو القائل:{وَمَن
يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا}.(21)
ثانيا:- تحليك بخمس صفات:-
فإنك إن أردت أن تضع لنفسك خطة
ملائمة ، فاستعنت بالله وتوكلت عليه ، هنا تقف وتنظر في صفاتك ، وتبحث عن صفات
خمس:-
الصفة الأولى:- تغيير النفس:- وهي أن تبحث عن السمات التي ترى الناس
يكرهونك من أجلها ، فتحاول أن تقضي عليها ، وأن تمتاز بالنشاط والحيوية ، وأن لا
تكترث لكل الطرق الموصلة للفشل وتبتعد عنها.
وتنظر إلى ما حبب فيه الرسول الكريم من أفعال
فتقوم بها.
فبذلك تكون قد تغيرت جذريا ، وهذا معناه أنك
أصبحت في رعاية الله سبحانه وتعالى.
فحث نفسك على تغييرها ، فإن الله لا يغير ما
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الصفة الثانية:- لا تغالي في فرحة
لم تتمكن منها بعد:- بمعنى أنك إذا أتاك شيئا تتمناه ولم تعلم نهاية أمره وما
هي الأمور التي ستأول إليها ، فعليك بعدم الفرحة الشديدة.
ولكن عليك بشيئين:-
الشيء الأول:- الابتسامة
الخفيفة:- فالابتسامة لها سحرها البراق ، وفيها البشرى ، وفيها نيل المراد.
الشيء الثاني:- ما شاء الله لا
قوة إلا بالله:- فما أتاك وأنت فرحا مشتاقا للقائه فهو بالنسبة لك كالجنة.
ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة
إلا بالله.
فبذلك إن كان في الأمر خير لك فسيتمه الله ،
أما إن كان فيه خزي وندامة فسيبعده الله عنك ويبدلك خيرا منه.
أما الفرحة الشديدة وكأنك امتلكت الشيء ففيها
يكون التسرع في اتخاذ القرارات من غير تفكر وروية ، والحسرة والندامة إن وجدتها اختفت
من أمامك.
فلا تفرح يا أخي فرحا زائدا عن الحد في شيء
لم تتأكد من امتلاكك إياه ، فأنت لا تدري ما حقيقته مهما عرفته وستبدي لك الأيام
ما كنت جاهلا.
فحسبك ما ذكرنا.
الصفة الثالثة:- لا تحزن على أمر
قد اختفى فجأة:- فعندما تأتيك نعمة لم تكن تحلم بها ، وتجدها تقترب منك
يوما بعد يوم ، حتى تقف ، وتقول لك أنا واقفة فتعال لتمتلكني فأنت لي وأنا لك ، وترى
أنك بمجرد ذهابك إليها تختفي.
هنا تشعر بأنك في تيه وحيرة ، وشلل
في التفكير ، واشتعال في القلب ، ولسان الحال يريد أن يقولها:- وا أسفاه.
فماذا عليك أن تفعل؟
هنا عليك أن تجعل لسان الحال يقول
شيئين:-
أولهم:- إنا لله وإنا إليه راجعون.
ثانيهم:- اللهم إن كانت خيرا لي فأرجعها ، وإن كانت
شرا بعدته عني فاخلفني خيرا منها.
أما أن تحزن وكأنها إذ ضاعت من هنا ضاعت معها
حياتك فهذا لا يجوز.
فإنها سترجع لك لو كانت خيرا لك ، وستبقى
مختفية هكذا إن كانت شرا عليك.
ربما لسان حالك يقول:- يا سيدي لقد وصلنا إلى شطر كبير من القرب ،
ومع توالي الأيام اختفت فجأة ، أتفهم اختفت فجأة.
أقول:- هل أنت أهلا لها:- أي هل أنت أهلا لاسترجاعها.
تقول لي:- كيف؟
أقول لك:- النعمة كما ذهبت تأتي ، ولكن بشرط أن تكون
أهلا لاستعادتها.
وهو أن تفكر جيدا وتختار الطريق المستقيم ، وتنظر
إلى شيء واحد ، وهو أن تكون أهلا لها.
فإن لم تكن أهلا فهي لن تأتي ، أما إن اخترت
طريق النجاح وسلكته إلى منتهاه فاعلم علم اليقين أنها هي من سترجع لك.
ربما تقول:- ما سبب اختفائها المفاجأ؟
أقول:- اختفائها يكون بسببك إن عصيت الخالق أو
انتهجت طريقا غير الطريق المستقيم ، أو هي اختفت لأنها تنتظر منك المزيد من البحث عنها
، فتعرف قيمتها أكثر فأكثر ، فتذهب إلى محل سكنها فتطرق بابها.(22)
فإن كان اختفائها بسببك ، فعليك أن توصل حبلك
بالرحمن ، وتنتهج الطريق المستقيم.
وإن كان اختفائها اختبارا فعليك أن تبحث عنها
، فهي تنتظرك ، فإن عرفت مكانها ستتملكها إلى الأبد ، بشرط استئنافكما الطريق
المستقيم.
فيا أخي:- إياك أن تتسم بالحزن الشديد عند اختفاء النعم
وزوالها ، ولكن عليك أن تأخذ العبرة منها ، وتحييها معك بالأمور التي استفدها ، وجعلتها
من تخطيطك في الطريق إلى النجاح.
الصفة الرابعة:- لا أحد يدري موطن
مفتاحك:- بمعنى أن تحير الجميع في طريقة التعامل معك ، فيتفاجأوا منك أكثر فأكثر.
وهنا تربح من الفوائد ثلاثا:-
لن يتدخل أحد في حياتك الشخصية – أصبحت هناك حدودا لا يقدر أحد على أن يتخطاها – احترامهم لك.
أما عن الطريقة التي تجعل الجميع
لا يدري مفتاح التعامل معك:-
فعليك بالعلم
ومصاحبة أصحاب الشأن – الترحال وعدم
الدخول فيما لا يعنيك وهو أنك لا تتدخل في شئونهم الخاصة – لا تضيع وقتك – تنمي موهبتك أكثر فأكثر وتكون في عملك لامعا – لا تسمع لكلام السفهاء واجعل نجاحك ردا عليهم – ولا
تعرفهم ما صنعت من انجازات ولكن اجعل صدى نجاحك يصل إليهم.
الصفة الخامسة:- كن
كما تريد لا كما هم يريدون:- فإنك إن كنت كما يريدون ، فمهما وصلت ستظل
فاشلا بالنسبة لهم ، أو على أقل تقدير ستكون أقل منهم منزلة في التعامل معهم.
هذا إن كنت تستطيع أن تنجح في الشيء الذي
أرادوه لك.
أما إن كانوا قد اختاروا لك شيئا أنت لا
تطيقه ، فسرعان ما ستتبوأ مقعدا في برلمان الفشل.
وبالطبع ستتلقى ما تتلقاه من سخرية واستهزاء ،
وأنك أنت السبب ، وأن من في سنك قد وصل ووصل ، إلى غير ذلك من الأمور.
أما إن كنت قد دخلت في الطريق إلى النجاح ، وتريد
أن تصل إلى منتهاه حقا ، فعليك أن تكون أنت.
وإذا أردت أن
تأخذ من مناهج الآخرين ، فخذ الأصلح لك ، الذي يرضيك ، ويعود عليك بالسعادة
والنجاح ، مادام الأمر ليس فيه خرقا لحدود الله ، والأخلاق السمحة ، والآداب
العامة.
*فإن لم يكن عندك صفة واحدة
مما ذكرنا فعليك بامتلاكها.
ثالثا:- الهدوء
والتركيز عند وضع الخطة:-
وعندما تضع الخطة فعليك بالهدوء والتركيز
وقتها ، لأنك تنظر حينها في ايجابياتك وسلبياتك ، وكيفية الوصول للنجاح مع شخصيتك وحالاتك
، غير أنك تقوم بحل حسابات معقدة لأول مرة تحسبها.
فعليك إذا:- بالهدوء والتركيز لكي لا تنسى شيئا ، ولكي
تشعر بالاستمتاع.
رابعا:- استشارة
الخبراء والمتخصصين:-
فإن استشارة
المتخصصين تصحبك إلى معرفة حجم الطريق الذي ستسير فيه وأين منتهاه ، واستشارة
الخبراء تؤدي بك إلى معرفة ما وراء النهاية.
فيضعوا لك
الخطوط العريضة الواجب توافر معرفتها والسير على هداها.
خامسا:- اختيار الشركاء المناسبون:-
وإن كان الأمر يحتاج إلى خلطاء ، فعليك
باختيار من كانت صفاته صفاتك ، وأن يكون على قدر كبير من المسئولية ، فإن لم تجد
فعليك بنفسك ، وهذا أفضل لك.
4 – إياك والخطأ:-
بمعنى أن عليك تحذر من فعل أمر من
الأمور الثلاثة:-
أولها:- لا تتواكل:-
فالتواكل شيمة أهل التخاذل وأصدقاء الكسل.
والتواكل كما نعلم هو أن
تقول:- اتركها على الله ، ولا تقوم بفعل شيء.
فاحذر من أن تخطط وتقول:- ها أنا خططت.
لنرتاح ونجلس ونتشاغل بأمور تافهة ، ونتركها
على الله.
ولكن يا أخي ما دمت قد خططت ، فأنجز وحقق ما
خططته.
ثانيها:- لا
تتخلى عن شيء مما خططت له وهو من المهم في شيء:-
لا تتخلى عن
أي شيء مما خططت له هكذا دون أن تستشير من تثق فيهم من الخبراء والمتخصصين ، وتستمع
لنصحهم ، وتعيد الاستشارة على غيرهم من أقرانهم ، حتى تهتدي إلى الطريق السليم ، ولكي
لا تقع في وادي الهاوية.
ثالثها:- لا
تجني الثمرة قبل نضجها:-
فجني الثمرة قبل نضجها فيه ما فيه من الندامة
، ولكن عليك بالتروي والصبر والعمل على انضاجها ، فحين تنضج تقطفها ، حينها ستشعر
بلذتها وفائدتها.
5 – لا تهبط عزيمتك:-
فإنك حينما تنتهي من شوط كبير من
السير في الطريق إلى النجاح تشعر بهبوط الهمة والعزيمة وهذا راجع لشيء من ثلاث:-
الأول:- الكسل:-
والكسل هذا
داء ولكن له دواء ، وهو صده منذ البداية.
أما
إن لم تتمكن من صده منذ الوهلة الأولى فعليك بما يلي:-
أ –
الاستعاذة منه:- فلقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم
يستعيذ منه.
فَعَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو
مَوْلَى المُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ: أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِأَبِي طَلْحَةَ:«التَمِسْ لَنَا غُلاَمًا مِنْ غِلْمَانِكُمْ يَخْدُمُنِي» فَخَرَجَ بِي
أَبُو طَلْحَةَ يُرْدِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلَّمَا نَزَلَ، فَكُنْتُ أَسْمَعُهُ يُكْثِرُ أَنْ
يَقُولَ:«اللَّهُمَّ
إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالبُخْلِ،
وَالجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ».(23)
ب –
التفكر في الغاية من النجاح:- فتذكر نفسك بأنك إن
نجحت ستنال مرادك ، فتصبح شيئا.
ج –
التفكر في عواقب الفشل:- فتذكر نفسك بأنك لو فشلت فلن تصير شيئا ، وستسقط
، ولن يساعدك أحد على الوقوف.
د –
مصاحبة الناجحين:- فمصاحبة الناجحين تدمر الكسل وتسحقه ، وتجعلك
تطمح في أن تكون شيئا ، فتستأنف المسير ، خاصة إن كان الناجحون ممن تسعد بمجالستهم.
الثاني:-
الطمع:-
والطمع
هذا غالبا ما يكون سببه نجاح من هم أقل منك البارحة ، فإنك إن شعرت بهذا الشعور
الدنيء وأنت في الطريق إلى النجاح فعليك بالأمور الآتية:-
أ –
النظر إلى من هم أقل منك:- وهذا ما أخبرنا به الرسول الكريم.
فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:«إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ
فُضِّلَ عَلَيْهِ فِي المَالِ وَالخَلْقِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلَ
مِنْهُ».(24)
فهنا ستعلم
جيدا أنك في نعمة نفيسة يتمناها الكثير ، ولكنك لم تشعر بقيمتها ، وبذلك ستتيقظ.
ب –
التصدق:- فكثرة التصدق يطهر القلب من الأدران ، وتشعر بأنك يدا
تعطي ، وما أجمله من شعور ، خاصة إن كان في رضا المولى عز وجل.
فإنك إن تصدقت
بعد النظر إلى من هم أقل منك ، وخاصة على من دونك ، حينها ستدرك قيمتك ، وينكسر
شعورك بأنك لست شيئا وأنك أهم ممن نظرت لهم وأفضل منهم.
جـ
- نجاحي خير لي:- فالنجاح الذي اخترته وهو في تخصصي خير لي من
أن أتوقف ولا أصير شيئا.
د –
بعد نجاحي تتحقق آمالي:- فإني إذ استأنفت الطريق ونجحت فإني سأحقق
غاياتي وهذا يشعرني بالسعادة والراحة وهما عين الغاية.
الثالث:-
مصاحبة التعساء:-
وأقصد
بالتعساء:- كل من حاول أن تقع في سبب من أسباب الفشل.
ولا أخص
أصدقاء السوء ، بل من الممكن أن يشمل أهلك وعشيرتك ، ومن الممكن أن يشمل أقرب
الناس لقلبك.
فإياك ومصاحبة
التعساء فهم لا يريدون سوى مصلحة ما منك ، بل عليك إن أردت النجاح أن تبتعد عنهم
بشتى الطرق فإن أردت أن تنجح فاهجرهم.
واعلم جيدا
أنك إذا كنت منهم في يوم من الأيام وصدقت نصائحهم فإنهم سيستغلونك استغلالا لا
مثيل له حتى تظن في نفسك أنك أصبحت خادما لهم وفي هذا الوقت يأتيك الندم ومعه
التعاسة ليلازمانك ما بقي من العمر فتتمنى الخلاص ولا تجده.
هنا
ستقف وتسألني السؤال ذاته:- وكيف أتخلص منهم
وأهجرهم؟
أقول:-
عليك بأن لا تلقي بالا لهم ، وصاحب العلماء والناجحين ،
واجعل لك نصيرا من العائلة إن كان التعيس من عائلتك ، واجعل نجاحك ردا عليهم.
ولا تنسى أن
لو وقعت في شراك التعساء فسيجعلوك أقل أهمية من الحيوانات ، بل سيبحثوا عن مصلحتهم
منك وبعدها يأتي وقت الأذى.
6 –
لا تنظر إلى سلبيات الحياة:-
ولقد
عرفنا جيدا أن لسلبيات الحياة صورتين:-
الصورة
الأولى:- النظر إلى حالتك:-
فتنظر
إلى أحد لونين:-
الأول:-
الفقر:-
اعلم أن الفقر
ليس عائقا لتحقيق حلمك ، ولكن العائق يكمن في عدم تمكنك من السعي في هدمه ، والتغلب
عليه.
فقط من يهدمون
الفقر ويحققون أحلامهم من يستعينوا بالله حق الاستعانة ، ويتوكلون عليه حق التوكل ،
ومقتنعون داخليا وخارجيا ووجدانيا بأن تخطيطهم مستحق للتنفيذ ، لأنه هام جدا
لحياتهم ، ما دام أنه ليس فيه شيء يغضب المولى عز وجل ، فيجتهدون في عملهم ليرتقوا
في مناصبهم ، ويبدأوا في تنفيذ مخططهم ويعملوا ويجدوا.
لا أن يجلسوا
هكذا ويقولوا فقري سيمنعني ، كما هي حالتك ، فتنقلب الحالة من مسمى العائق ، إلى
مسمى التواكل.
هؤلاء فقط من
ييسر الله لهم السبل ، ويحققون أحلامهم في يوم من الأيام ، أما أن تجلس هكذا
وتتمسك بحجة الفقر فاعلم أنك لست أهلا للنجاح ، وستفشل في حياتك أكثر.
الثاني:-
ضعفك النفسي والجسدي:-
وضعفك النفسي وشعورك
أنك لست أهلا للمهمة ، وليس عندك طول بال ولا عزيمة ، فهذا سببه راجع للبيئة التي تجالسها
أو البيئة التي قامت على تربيتك.
فعليك في هذا
التوقيت أن تغير صحبتك ، وتصاحب السعداء.
واعلم أن
أكثرهم في المتفوقين في دراستهم ، والناجحين في أعمالهم ، وَعُمَّار المساجد من
الصالحين.
أما
عن الضعف الجسدي:- فسببه الخوف من الأعداء.
وهنا
أقول:- الإنسان هو الذي يجعل لنفسه قيمة عالية ، فتعلوا معها
كرامته ، وهو الذي يخفض من قيمته ، فتنخفض معها كرامته.
وأسباب
الخوف من الأعداء كما نعلم:-
أ –
الوحدة:- فأنت كنت في وقت من الأوقات وحيدا شريدا في عالمك الخاص ،
فحينما خرجت إلى ميدان الحدث ونظرت إلى الأنام ، تفاجأت بهذا وبذاك ، فلم تقاومه ،
بل أصبحت تخافه وتخشى أي مخلوق تراه.
ب –
انعدام الصداقة:- أو على أقل تقدير أنت تصاحب القليل من
أقرانك ، وأغلبهم لا يستحقون صحبتك ، فأضحى الخوف من الأعداء ساكنا في قرارة نفسك ،
حتى وصل الخوف إلى أصحابك.
ج –
ظنك في نفسك أنك فاشلا:- وهذا ما يزيدك احساسا بالضياع والخوف من
العدو.
فيا سيدي كيف
تخاف؟ وممن تخاف؟
خوفك
هذا يسحق ويباد بفعل خمسة أشياء:-
أ –
تصل حبلك بالرحمن:- فتتوب إليه ، وتشكوا له ضعف قوتك ، وقلة
حيلتك ، وهوانك على الناس ، فتتوكل عليه.
ب –
تهاجم فشلك:- فتحث السير نحو النجاح.
ج –
تجاور السعداء:- فمن جاور السعيد يسعد.
د –
تختار أصدقائك:- فالجليس الصالح موجود ، ولكن يجب أن تبحث.
هـ –
تجعل لنفسك أهمية في شيء ما:- بأن تنمي موهبتك ، أو
تتفوق في شيء ليسوا متفوقون فيه ، عندها ستجدهم يلجئون إليك.
حينها ستشعر
بأنه ليس هناك عداوة ، بل كنت تعيش في وهم ، فتندم على أنك نظرت إلى مثل هؤلاء وأنهم
كانوا جل تفكيرك.
أما إن أردت أن تنظر لهم فتنحرف عن طريقك
وتذهب إلى طريقهم لترد عليهم ، فاعلم أن معركتك خاسرة ، وقد ربحوا بأن جعلوك على
الأقل قد انحرفت عن طريقك.
أما
عن المرض:- فالمرض ليس عائقا لكي لا تنجح.
إنما العائق
في أن لا يكون لك في هذه الحياة أهمية ، فإن جعلت لنفسك أهمية ، ولو بمساعدة شريك
ما في نشر أفكارك أو ما إلى ذلك ، فكل ماتطلبه سليبى ، فقط اجعل لنفسك أهمية.
الصورة
الثانية:- النظر إلى فساد المجتمع:-
أقول
لك:- هل أنت تريد اصلاح المجتمع لأنه شيئا من اختصاصك؟
فإن
أجبت:- بنعم.
فعليك بأهل
الحل والعقد ، فإن كانوا شرفاء فأهلا ومرحبا.
أما لو كانوا
أكثر فسادا ، فعليك بأن تنمي موقعك من العمل ، وتترقى في منصبك أكثر فأكثر.
أما لو كان
غير اختصاصك ، فعليك بالنصيحة ، فإن سمعوا فعليك بالعمل على التحقيق ، أما إن لم
يسمعوا فعليك بعملك كي تنجح فيه.
وسواء كان
اصلاح المجتمع من اختصاصك أو لم يكن من اختصاصك.
أحب
أن أقول:- ليس عليك سوى النصيحة ، فإن لم توفق فعليك بأعوان.
فإن
لم توفقوا فاختاروا أحد طريقين:-
أ –
أن تعيشوا من أجل أنفسكم.
ب –
أن تهاجروا.
فإنهم لو
بلغوا الكمال في هذا الوصف فإنه لمن العيب نصحهم.
7 –
الشطط عند وصولك آخر الطريق:-
فإنك إن وصلت
آخر الطريق ، وكدت تنجح ، وتخليت عن كل ما وصلت له من سبل ، فإن سعادتك لن تدوم.
فعندما تخطوا
الخطوة الأخيرة في الطريق إلى النجاح ، اخطوها وكأنها أول خطوة للنجاح نفسه.
فتخطوها حتى
إذا أتممت الخطوة ، عليك بالتفكير في شيء واحد.
ألا
وهو:- تثبيت النجاح.
تثبيت
النجاح
ولتثبيت نجاحك
عليك بالمحافظة على الأسباب التي أوصلتك إلى النجاح ، ومساعدة من يريدون النجاح ،
وتوصيلهم إلى تحقيق مرادهم ، فإن النفع سيعود عليك ، واعمل على تنمية نجاحك عن
طريق اكتساب المزيد من الخبرات ، وكسب المزيد من الخبراء والمتخصصين الأذكياء ذكاء
لا يعود عليك بالضرر ، وإياك والكسل.
بذلك يدوم
نجاحك.
وهنا
نقف ونفكر ونسأل السؤال الواجب معرفة جوابه وهو:- وماذا بعد
النجاح؟
وماذا بعد النجاح؟
وبعد النجاح ينقسم الناجحون إلى ثلاثة
أقسام رئيسية:-
القسم الأول:- يتخلى عن الأسباب
التي أوصلته إلى النجاح:-
ويتشعبون إلى ثلاث شعب:-
الشعبة الأولى:- يتخلص
أصحابها من شركائهم ، ومن الخبراء والمتخصصين الذين ساعدوهم.
ومذهبه:-
- من علمك
الحكمة؟
- رأس الذئب
المعلق.
وهذا لن
يدوم نجاحه ، وستأتيه خيبة أمل في نهاية مطافه.
ونصيحتي لهذه الشعبة:- كن عاقلا
في التخلص من الحاقدين الناقمين عليك ، وليس ممن ساعدك.
الشعبة الثانية:- لا يساعدون من
يريدون النجاح:- لأن الناجح منهم يحقد على
الطامحين بسبب أنه قد تعب كثيرا ، وسهر الليالي ولم يساعده أحد من الناس ، فكيف
يساعد غيره إذا؟
وبالطبع
هؤلاء سيندمون في كثير من الأوقات ، لفقدهم التألق في فضاء النجاح.
ونصيحتي لهذه الشعبة:- المصلحة
ستعود عليك إن ساعدت غيرك ، فاغتنم الفرصة ، فإن الفرصة لا تأتي مرتين على صورة واحدة.
الشعبة الثالثة:- يجحدون فضل الله
عليهم:-
وهذا يختار أحد ثلاث ألوان:-
اللون الأول:- إنما ورثته كابرا عن
كابر:- كما فعل الأبرص والأقرع.
فإن أَبَا
هُرَيْرَةَ حَدَّثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِنَّ ثَلَاثَةً فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ: أَبْرَصَ، وَأَقْرَعَ، وَأَعْمَى، فَأَرَادَ اللهُ أَنْ
يَبْتَلِيَهُمْ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الْأَبْرَصَ، فَقَالَ:
أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ،
وَيَذْهَبُ عَنِّي الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ
عَنْهُ قَذَرُهُ، وَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ
الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ ، قَالَ: فَأُعْطِيَ نَاقَةً
عُشَرَاءَ، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا، قَالَ: فَأَتَى الْأَقْرَعَ،
فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ عَنِّي
هَذَا الَّذِي قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ: فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ،
وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ:
الْبَقَرُ، فَأُعْطِيَ بَقَرَةً حَامِلًا، فَقَالَ: بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيهَا،
قَالَ: فَأَتَى الْأَعْمَى، فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: أَنْ
يَرُدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَأُبْصِرَ بِهِ النَّاسَ، قَالَ: فَمَسَحَهُ
فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟
قَالَ: الْغَنَمُ، فَأُعْطِيَ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَ
هَذَا، قَالَ: فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنَ الْإِبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ
الْبَقَرِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ، قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى
الْأَبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ، قَدِ
انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ لِي الْيَوْمَ إِلَّا
بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ،
وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ، وَالْمَالَ بَعِيرًا، أَتَبَلَّغُ عَلَيْهِ فِي سَفَرِي،
فَقَالَ: الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ
أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ؟ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللهُ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا
وَرِثْتُ هَذَا الْمَالَ كَابِرًا عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا،
فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ، قَالَ: وَأَتَى الْأَقْرَعَ فِي صُورَتِهِ،
فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَ مَا رَدَّ عَلَى
هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللهُ إِلَى مَا كُنْتَ، قَالَ:
وَأَتَى الْأَعْمَى فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ، فَقَالَ: رَجُلٌ مِسْكِينٌ
وَابْنُ سَبِيلٍ، انْقَطَعَتْ بِيَ الْحِبَالُ فِي سَفَرِي، فَلَا بَلَاغَ لِي
الْيَوْمَ إِلَّا بِاللهِ، ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِي رَدَّ عَلَيْكَ
بَصَرَكَ، شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِي سَفَرِي، فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى
فَرَدَّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، وَدَعْ مَا شِئْتَ، فَوَاللهِ
لَا أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ شَيْئًا أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ: أَمْسِكْ مَالَكَ،
فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رُضِيَ عَنْكَ وَسُخِطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ".(25)
اللون الثاني:- إنما أوتيته على
علم عندي:- كما فعل قارون.
{إِنَّ
قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ ۖ وَآتَيْنَاهُ مِنَ
الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ
قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ
الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ۖ وَأَحْسِن كَمَا
أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ۖ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ۖ إِنَّ
اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (77) قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ
عِلْمٍ عِندِي ۚ أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ
الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا ۚ وَلَا يُسْأَلُ
عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوْمِهِ فِي
زِينَتِهِ ۖ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا
مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا
وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ
الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا
كَانَ مِنَ الْمُنتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا
مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ۖ لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا
لَخَسَفَ بِنَا ۖ وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82)}.(26)
اللون
الثالث:- وما أظن أن تبيد هذه أبدا:- كما فعل
صاحب الجنتين.
{وَاضْرِبْ
لَهُم مَّثَلًا رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ
وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا (32) كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ
أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ شَيْئًا ۚ وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا (33) وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ
لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا (34) وَدَخَلَ
جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَٰذِهِ
أَبَدًا (35)
وَمَا
أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَىٰ رَبِّي لَأَجِدَنَّ
خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ
يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ
سَوَّاكَ رَجُلًا (37)
لَّٰكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (38) وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ
قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ إِن تَرَنِ أَنَا
أَقَلَّ مِنكَ مَالًا وَوَلَدًا (39) فَعَسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ
خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَاءِ
فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (40) أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا
فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا (41) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ
يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَىٰ مَا أَنفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ
عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا (42) وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ
يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا (43) هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ
الْحَقِّ ۚ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا (44)}.(27)
وهذه
الألوان الثلاثة في النهاية سيشتركون في النظر إلى هلاك ما صنعوه من مجد ونجاح.
وسبب
جحودهم فضل الله تعالى:- الشعور
بالغرور والكبر ، والنظر إلى الناس نظرة ازدراء واحتقار ، وأنهم لم يساعدهم مخلوق
عندما كانوا لا شيء ، فيبدأوا في نسيان القيم الأخلاقية إلى أن يصل النسيان إلى الأوامر
الدينية.
ونصيحتي لهذه الشعبة:- تذكروا
مكانتكم الحقيرة في القدم ، وانظروا إلى أن سبب رفعتكم ووصولكم إلى عين النجاح هو
خالقكم ، وما النجاح إلا نعمة من النعم ، والله من يملك كل النعم ، فإذا شاء أعطى ،
وإذا شاء حرم.
القسم الثاني:- لا يكتب عنه
التاريخ شيئا:- بسبب أنه يريد الراحة
والدعة.
فما دمت قد
أخذت مرتبي فأنا ناجح ، وما دمت في راحة فلماذا أعذب نفسي مرة أخرى.
وهذا
سيستريح في حياته ما دام أنه لم يتخلى عن ضياع نجاحه ، ولكنه سيفقد كتابة التاريخ
عنه.
فعندما
سيموت سينساه الجميع.
القسم الثالث:- قسم يتألق في فضاء
النجاح:- وهذا من ينمي نجاحه ، فيبني على
نجاحه نجاح ، حتى يصبح فيما وصل إليه علما من الأعلام ، وبذلك لا ينساه من يريد
السلك في طريقه ، وبذلك يكون قد حفر في التاريخ.
*ومن هنا نعلم أن للنجاح أقسام
ثلاثة لا يأتون لأحد ولكن يؤتى إليهم:-
الأول:- نجاح وهمي:- وهو لمن ظن
أنه قد انتهى من الأسباب التي توصله إلى النجاح وهو في الحقيقة لم ينتهي ، وإنما
نشوة الفرح جعلته يظن أنه قد انتهى ، فلم يربط على الأسباب بشدة ، بواسطة حبل من الاستحضار واليقظة وانتظار العواقب إن
انتهى.
الثاني:-
نجاح معلق:- وهو لمن يترك أسباب النجاح التي
سار في دربها ، أو أنه أراد الجلوس بعد النجاح والعيش في دعة وراحة.
ومعنى أنه معلق:- أي بمجرد
تخليه عن أسباب نجاحه يختفي نجاحه ، وبمجرد أن يموت ينمحي أثره وكأن شيئا لم يكن.
الثالث:- نجاح دائم:- وهو لمن
اختار التألق في فضاء النجاح ، فكان علما من الأعلام ، إلى أن حفر في سطور
التاريخ.
الخاتمة
إن كنت
تعيش في هم وحزن ، وضيق ونصب وفشل ، ولم تجد لإصلاح حالك طريقا ، فهاأنذا بفضل
الله قد ذكرت لك الطريق الذي تسير على هداه.
فعليك به
وحافظ عليه ففيه يكون التألق والنجاح.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
كتبه:- إبراهيم محمد إبراهيم الصياد.
تحريرا
في مساء يوم السبت:-
22 جمادى
آخر ١٤٣٩ هـ.
10 مارس
2018 م.
01 برمهات
1734 ق.
والسلام
عليكم ورحمة الله وبركاته.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) {رواه
الطبراني في "الكبير" (17/330)
، وصححه الألباني في
"السلسلة
الصحيحة" (413)}.
(2) {سورة الأعراف: 99}.
(3) {سورة الحشر: 18 –
20}.
(4) {سورة طه: 124 –
126}.
(5) {سورة الطلاق: 3}.
(6) {سورة البقرة: 155
– 157}.
(7) {سورة النور: 31}.
(8) {سورة الزمر: 53}.
(9) {سورة الشورى: 25}.
(10) {رواه الترمذي: 3491 ، قَالَ أَبُو
عِيسَى : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ
، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ}.
(11) {سورة نوح: 10 –
12}.
(12) {سورة يوسف: 86}.
(13) {سورة البقرة:
186}.
(14) {سورة النمل: 62}.
(15) {سورة البقرة:
214}.
(16) {سورة النساء: 59}.
(17) {سورة الأحزاب: 71}.
(18) {سورة الأحزاب: 70 – 71}.
(19) {سورة الطلاق: 4}.
(20) {سورة الطلاق: 2 – 3}.
(21) {سورة الطلاق: 3}.
(22) {كأن تكون النعمة:
زوجتك المستقبلية على سبيل المثال}.
(23) {أخرجه البخاري: 6363}.
(24) {أخرجه البخاري: 6490}.
(25) {صحيح مسلم – الزهد والرقائق (2964)}.
(26) {سورة القصص: 76 –
82}.
(27) {سورة الكهف: 32 –
44}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق