الأربعاء، 29 أغسطس 2018

اختفاء السعادة


اختفاء السعادة



تمهيد:- إذا أردنا أن نتكلم عن أسباب اختفاء السعادة ، ونرسم سبلا لاستردادها ، فيجب علينا أن نبين ماهيتها وحقيقتها حتى تتمثل لنا السعادة أمام أعيننا ، فنحيط بجميع جوانبها ، وننظر لها نظرة متكاملة.
وإذا أردنا أن نضع تعريفا مناسبا شاملا لشتى صور السعادة فإننا نقول أن السعادة:- هي ذلك الشعور الوجداني الذي لا تعلم قيمته إلا عند فقده بعد الوقوع في شراك الخوف والجوع ونقصان النعم وفقدها.
ومن هنا يبدأ الإنسان في التفكير في هذا الشيء الذي كان سببا في ضياع ذلك الشعور ، وكيف يواجهه ويكسر شوكته فيتم القضاء عليه.
فيطرح على نفسه السؤال الذي لا بد منه:- ما السبب في اختفاء السعادة؟
اختفاء السعادة
أما عن اختفاء ذلك الشعور الوجداني في لحظة هي أقل من أن يرتد إليك طرفك فله أسباب ثلاثة:-
السبب الأول:- اختبار من الله:- وهذا ما يسمى بالابتلاء.
قال الله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ}.(1)
وعندما يحيط بك ابتلاء من هذه الصور فعليك بثلاثة أشياء:-
الشيء الأول:- الصبر والصلاة.
فلقد أعطانا الله العلاج ، وهو عبارة عن ركنين ، وهما الصبر والصلاة.
فقال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ}.(2)
أما عن الصبر ففيه جائزتان:-
الجائزة الأولى:- أن الله معك.
قال تعالى:- {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153)}.(3)
الجائزة الثانية:- صلاة من الله ورحمة.
قال تعالى:- {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}.(4)
أما عن الصلاة:- ففيها الهداية والراحة والاطمئنان والسكينة.
فَعَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا».(5)
الشيء الثاني:- التوجه إلى الله بالدعاء والتضرع إليه.
فأنت الآن تريد أن يكشف الله عنك السوء ، وفي نفس الوقت يبدوا عليك أنك مضطرا ، فعليك إذا بالدعاء والتضرع لخالقك.
فهو القائل:{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (62)}.(6)
الشيء الثالث:- تتعايش مع الحدث بالبناء مع التوكل على الله وأخذ العبر.
فإنك الآن قد اعترتك محنة ، شعرت بالآلام لوجودها ، فهل ستجلس هكذا؟
بل يجب عليك أن تنهض بنفسك ويكون شعارك هو ترديدك الآية القرآنية الكريمة:{قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.(7)
فتتوكل على الله ، وتستأنف طريقك الذي كنت فيه على أية صورة ، فإن كان سبب اختفاء سعادتك راجع لما ذكر فإنك حتما ستربح الكثير والكثير ، وأنت من ستقولها في النهاية بعد أخذك العبر وجني الثمار :- الحمد لله فلولا ما حدث لما تقدمت.
السبب الثاني:- أنت.
أما عن السبب الثاني من أسباب تبدد السعادة وظهور التعاسة بدلا منها وهو أن يكون السبب أنت ، فهذا أمر بلا شك يعود عليك بالمزيد من الحزن والقهر والإحساس بالتيه والضياع إلى غير ذلك من مشاعر قاسية ومدمرة.
وهذه السعادة لم تختفي هكذا بسبب وجودك في هذه الحياة فلا تظن ظن السوء في نفسك كأن تعتقد أنك عالة على أهلك وصحبك ومجتمعك ، بل اختفت لوقوعك فجأة في خطأ من أربعة أخطاء:-
الخطأ الأول:- سوء خلقك.
فإن سوء الخلق شيء مشين ، يعود عليك بكل ضرر ، وإن كنت صاحب حق في قضية من القضايا وجعلت سوء الخلق دفاعك فإنك حتما ستخسر كل شيء.
غير أنه يجعلك في محل الاتهام بعدما كنت صاحب حق.
وسوء الخلق هذا إذا أردنا أن نضع له وصفا جامعا مانعا فإننا نقول:- هو كل قول أو فعل تقوم به عمدا أو من غير عمد عندما تقتضي الضرورة لظنك ذلك ويؤذي الحاضرين.
ولكي تحسن من أخلاقك وتهذبها فعليك بأمور ست:-
الأمر الأول:- أن تطلب من الله ذلك.
فلقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يطلب من الله حسن الخلق رغم أنه سيد الأخلاق.
فعنِ عائشة قالت: كَانَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:{اللهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي ، فَأَحْسِنْ خُلُقِي}.(8)
الأمر الثاني:- رطب لسانك بذكر الله.
ولذكر الله صور كثيرة كالنوافل والاستغفار والأذكار.
وهذا أمر هام جدا إن أردت أن تعالج نفسك من سوء خلقك ، لأن فيه فوائد عديدة.
منها:- الهدوء والراحة والسكينة والطمأنينة المزيد من الفطنة والحكمة مع التعامل مع الناس الشعور بسعادة لا توصف حسن الخلق.
الأمر الثالث:- اغضض من صوتك.
فهذا أمر يجب عليك أن تقوم به وقد أمرنا الله به كذلك.
أنظر إلى نصيحة لقمان الحكيم لابنه:{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ (19)}.(9)
الأمر الرابع:- لا تغضب.
وإياك والغضب فقد نهانا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عنه.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْصِنِي، قَالَ:«لاَ تَغْضَبْ» فَرَدَّدَ مِرَارًا، قَالَ: «لاَ تَغْضَبْ».(10)
ولكي تقي نفسك من الغضب فعليك بأربعة أشياء:-
أ – الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم:-
فعن سليمان بن صرد قال: كنتُ جالسًا معَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ورجلانِ يَستَبَّانِ، فأحدُهما احمَرَّ وجهُه وانتفخَتْ أوداجُه، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:إني لأَعلَمُ كلمةً لو قالها ذهَب عنه ما يَجِدُ، لو قال: أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ، ذهَب عنه ما يَجِدُ.(11)
ب – ذكر الله:-
وهذا أمر هام جدا لمعالجة الغضب لأنه يطمئن القلب.
قال تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28)}.(12)
ج – اكظم غيظك:- فهذا أمره يحبه الله عز وجل من عبده ، والعبد يرجوا من الله محبته ومغفرته فكيف بك تترك طريق محبة الله لأجل عارض دنيوي زائل.
قال تعالى:{وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}.(13)
وعنْ مُعاذ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ:{مَنْ كظَمَ غَيظاً، وهُو قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُنْفِذَهُ، دَعَاهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ وتَعالَى عَلَى رُؤُوسِ الْخلائقِ يَوْمَ الْقِيامَةِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ مَا شَاءَ}.(14)
د – الابتعاد عن المكان الذي أنت فيه نهائيا:-
وعليك بأن تبتعد عن المكان الذي أنت فيه لكي تهدأ ، وتسكن جوارحك ، ويطمئن قلبك ، وتفكر بعدها تفكيرا حكيما سليما لتصل إلى حل المصيبة التي وقعت فيها.
وإن كان الأمر يحتاج للشورى: فعليك بالحكماء ، وكن فطنا في عرضك المسألة التي وقعت فيها ، فلا تفضح نفسك ، ولكن عليك بأن تروي ما حدث لك عن طريق تخيل لو حدث مع شخص كذا وكذا فما الحل؟
بذا يكون علاج الغضب.
الأمر الخامس:- الابتعاد عن أصحاب الأخلاق السيئة.
فلا تصاحب من كانت أخلاقه منبوذة ، وقلل من الحديث معهم ، فإن اقتربوا منك فابتعد عنهم.
فمثل هؤلاء لن تصل بسببهم إلى المجد والعلى ، فهم في البداية سيقوموا بالثناء عليك إلى أن تطمئن لهم فيأخذوا منك ما يريدون إلى أن يهملوك ويجعلوك سبب المصائب التي وقعت عليهم من قبل ولادتك إلى اللحظة التي أنت فيها.
الأمر السادس:- غير بيئتك.
بمعنى أنك إذا نظرت إلى سبب سوء خلقك وازدياده يوما بعد يوم ستجد أنه يكمن في جلوسك وسط بيئة شعارها: أنا ومن بعدي الطوفان.
فلكي تحسن من خلقك وأنت تجد نفسك على هذه الحالة فعليك بمصاحبة بيئة جديدة شعارها: إلى العلى نسعى وبالأخلاق نرتقي.
ومثل هذه البيئة ستجدها في:- طلاب العلم المجتهدين والعلماء المخلصين وعمار المساجد من الصالحين.
فعليك بمجالستهم ومصاحبتهم فبهم حياتك ستتغير ، وستشعر بوجود أمل وحياة لم تكن تتخيل أنها موجودة في عالمك ، وبهم أحلامك ستسمو وترتفع ، وتتحسن أخلاقك.
الخطأ الثاني:- تلعثمك وعدم فصاحتك.
وأما عن الخطأ الذي نحن بصدد الحديث عنه فهو من أقوى وأخطر الأخطاء ، لأنه لا يمنحك السعادة ويشعرك بالحسرة والندامة والإحساس بالضعف والانكسار فحسب ، بل لأنه سبب كبير من أسباب استهزاء وسخرية القوم منك.
ولكي تعالج نفسك من هذا الخطأ فعليك بالأمور الأربعة التالية:-
الأمر الأول:- الدعاء والطلب من الله.
فادع ربك واطلب منه أن يحلل عقدة من لسانك فهذا ما فعله موسى عليه السلام.
قال تعالى:{قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28)}.(15)
الأمر الثاني:- الهدوء وعدم الانفعال.
بمعنى أن تنظر إلى الموضع الذي أنت فيه ، فإن كان كلامك مما لا طائل منه فلا تتكلم وهذا حسن.
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:{مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ}.(16)
أما إن كان الأمر يحتاج إلى أن تتحدث مع غيرك فعليك بتحري الكلمة.
بمعنى:- أن تحدث نفسك بما تريد التفوه به قبل أن تخرج من بين شفتيك لتتلقاها أذن المخاطب سليمة نقية بلاغية.
فإن تحريت الكلمة التي تود نطقها فعليك بالهدوء والتركيز أثناء اذاعتها.
بمعنى:- أن لا يشغلنك شاغل أثناء إلقائها فلا تلتفت إلا إلى من تخاطبه ، ولا تنفعل.
وأما عن الانفعال:- فلا تنفعل سواءا كان انفعالك نابعا من خير أردته ، أو شر أحاط بك ، لأن هذا سبب من أسباب تحول القضية ضدك فبعد أن كنت صاحب حق أصبحت مدان ، وفي نفس الوقت سيستهزأ بك الحاضرون لتلعثمك نتيجة عدم تحري الجملة.
الأمر الثالث:- التدرب على ملكة الخطابة.
وهنا الحالة تختلف معك بمعنى أنه من الواجب عليك أن تقوم بجلسة وهمية مكانها خيالك ، وتقوم بالتحدث الوهمي داخليا مع الحاضرين في مواضيع مختلفة إلى أن تشعر بأنك أصبحت بليغا ، فتقوم بجلسة وهمية مكانها الموضع الذي تجلس فيه ، وتقوم بالتحدث مع حاضرين وهميين بلسانك إلى أن تشعر بأنك لم يعد عندك مشكلة التلعثم.
وبعدها تأتي بأحد من أصدقائك وتشرح له مشكلتك فتتحدث معه كثيرا إلى أن تشعر بأن مشكلة التلعثم قد أصبحت من الماضي.
الأمر الرابع:- المشاركة في الخطب العظيم.
بمعنى أنك كلفت بمهمة جسيمة تخص مستقبلك ، ويتخطى مستقبلك فيخص مستقبل أهلك وعشيرتك ، فعليك بأن تنيب أحدهم في وقت الخطاب مع الجمع الغفير يتحدث بدلا عنك.
وهذا ما فعله نبي الله موسى ، فقد طلب من الله أن يجعل أخاه هارون شريكا في أمره لفصاحته وليكون معينا له ومخففا لآلامه.
قال تعالى على لسان موسى عليه السلام:{وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي ۖ إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ (34)}.(17)
الخطأ الثالث:- فشلك.
وهذا خطأ جسيم، يجعل السعادة تختفي دون رجعة لظنك ذلك.
ولكي تعالج فشلك فعليك بالنهوض ، فالنجاح لا يأتي لأحد بل يحتاج إلى كد وتعب فاسلك طريق النجاح ، بأن تقوم بطاعة الله وتقواه ، وتحسن من أخلاقك ، وتضع الخطة الملائمة من استعانة بالله والتوكل عليه وكسبك صفة تغيير النفس وعدم المغالاة في فرحة لم تتمكن منها وأن لا تحزن على أمر قد اختفى فجأة ولا تعلم أحدا موطن مفتاحك وأن تكن كما تريد وليس كما يريدون ، وبعدها اهدأ وركز عند وضعك الخطة ، وقم باستشارة الخبراء والمتخصصين ، ثم اختر الشركاء المناسبون ، وإياك والخطأ فلا تتواكل ولا تتخلى عن شيء مما خططت له وهو من المهم في شيء ، ولا تجني الثمرة قبل نضجها ، وإياك وأن تهبط عزيمتك ، فتتكاسل أو تطمع ، أو تصاحب التعساء ، واجتنب النظر إلى سلبيات الحياة كأن تنظر لحالتك فتيأس من فقرك أو ضعفك النفسي أو الجسدي أو تنظر إلى فساد المجتمع ، أو تشطط عند وصولك آخر الطريق.
الخطأ الرابع:- الابتعاد عن الطريق المستقيم.
بمعنى أنك قد ابتعدت عن أسباب الرقي والتحضر وتخليت عن كل أسباب النجاح وتمسكت بأسباب الفشل ، فزاد غرورك بعدما كنت شخصا متواضعا ، وأصبحت بغير مروءة بعدما كنت مشهورا بصفة المروءة ، إلى غير ذلك من أمور ، بسبب ظنك بأنك لم تستفد شيئا من هذه الحياة ، فلم تنفعك مروءتك وشهامتك وكرمك وتواضعك في غناك ، وهذا إن دل فإنما يدل على سفاهتك وغباؤك.
فإنك إن كنت قد نهضت بنفسك وسلكت طريق النجاح وزدت على نجاحك نجاحا لما اختفت سعادتك ، وكنت شعرت بأنك أفضل الناس.
ولكن إنا لله وإنا إليه راجعون.
السبب الثالث:- غيرك.
إذا كنت سعيدا طوال اليوم لدرجة أنك شعرت بأنك قد امتلكت الدنيا وما فيها ، فارتحت قليلا وأنت ممتلكا للسعادة ، فأتاك طارئ أخذ منك سعادتك ، فتيقن أنك الآن في السبب الثالث والأخير من أسباب اختفاء السعادة وهو غيرك.
ولهذا السبب شعب ثلاثة فتعالوا بنا نتعرف على كل شعبة من هذه الشعب.
الشعبة الأولى:- الحسد والسحر.
هناك من يكرهك من الناس كرها لا نظير له ، فعندما ينظر إليك ويرى ملابسك النظيفة ، وأغراضك التي لا يمتلكها من في طبقتك ، وحب من يرجى محبتهم ، وتعلمك أمورا هم يجهلونها ، ووصولك للنجاح في سنك الصغير هذا ، يشعر بحالة من الغضب والغيظ.
هذا بسبب أنه قد ظن أنك سعيدا لامتلاكك أغراضا ووصولك لنعمة ما ليست عنده ، فيقوم بحسدك أو يصل الأمر إلى السحر.
ولكي تقي نفسك من هؤلاء فعليك بما يلي:-
أ – لا تفرح فرحة زائدة عن المعقول جهرا:- بل عليك بحمد الله سبحانه والسجود له سجدة شكر ، وكفى بهاتين فرحة.
ب – توسط في ملبسك وأغراضك في غير بيتك:- فلا تخرج دائما بملابسك بهيظة الثمن وأغراضك عالية الجودة ، بل توسط واعتدل.
ج – لا تتحدث عن نفسك كثيرا:- فلا تتباهى بنفسك أمام غيرك ولا تذكر قصة حياتك كثيرا أمام كل الناس ولذلك عليك بالخطوة التالية.
د – لكل مقام مقال:- فعندما تريد التحدث عن رحلاتك أو مشاريع نجاحك فاختر من تتحدث معه بشرط أن يكون من ستتحدث معه سببا في رفعتك بعد ذكرك ما تود ذكره ، أو ستستحوذ على شيء هام جدا بعد ذكرك بعض أخبارك.
أما إن أصابك شيئا من الحسد والسحر فعليك بأذكار اليوم والليلة وما ذكر من أوامر في القرآن الكريم والسنة النبوية وعليك بأهل العلم المتخصصين.
فما الحسد سوى ضيق يأتيك ، وما السحر سوى أوهام تعيش معها.
الشعبة الثانية:- عائلتك.
وإذا كنت تعيش بين عائلة سفيهة ، فاكتشفت أنها سبب اختفاء سعادتك إذ تريد منك لا تريد لك ، وعندما يأخذوا منك يؤذوك بشتى أنواع الأذى وكأنك ما فعلت لهم شيئا فعليك يا أخي المغلوب على أمرك بالقيام بهذه الأمور ، لعلك بها تسترجع سعادتك.
أ – لا تكن بكاءا:- فلا تقم بالشكوى كثيرا لأي أحد ، خاصة إن اشتكيت لفرد من نفس العائلة ، لأنك بذلك سيدي الفاضل ستصدق فيك جملة الشكوى لغير الله مذلة ، فإن أردت الذل والهوان أكثر ، وفي نفس الوقت تريد أن تضيع من وقتك ولن تستفد شيئا سوى الخسارة فعليك بالبكاء لهذا ولذاك.
أما إن أردت أن تربح السعادة ، فعليك بالخطوة التالية.
ب – كن حكيما:- بمعنى أن تنظر لكل فرد من عائلتك ، وتفكر في نسبة الأذى الواقع من كل شخص منهم ، وبعدها أنظر لحالته ونسبة احتياجه لك وقلل من بشاشتك وتمسك بجدك وحزمك ، فتكون صورة وجهك أمامهم بنفس صورة وجهك إذا أخذ الموت أعز الناس.
وبعدها عليك بالخطوة التالية.
ج – دع أذاهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا:- بمعنى أن تبتهل إلى الله بالدعاء ، وتفكر في تكوين أسرة جديدة في المستقبل ، وهذا بالطبع يحتاج إلى شيء واحد وهو أن تعلوا عليهم بالمزيد من الخبرة والحنكة والنجاح والمال.
وهذا بالطبع لن يحدث إلا إذا قمت بالخطوة التالية.
د – عليك بمناصرة أحد المميزين في العائلة:- فتذهب إلى من كانت كلمته هي الكلمة العليا والتي تسمع فتطاع ، وفي نفس الوقت يحتاج إليك لمصلحته الشخصية التي لا تتوقف ، فتتودد إليه وتجعله يقوم بنصرتك في حضرتك وفي غيابك.
ولذلك كن ذكيا معه لتستفيد منه ، فبه ستخطوا الخطوة التالية وأنت في أمان.
هـ – ابن نفسك بنفسك:- فتختار طريقا يوصل إلى النجاح ، فتتمسك به إلى أن تصل لغايتك.
فإنك كلما تقدمت خطوة نحو النجاح كلما جاءتك السعادة مهرولة ، وكلما ستجد نفسك في مشكلة حلها بسيط جدا فعليك بخطوة واحدة أخيرة.
و _ لا تأبه بهم:- فإن ذهبت إلى فراشك وأنت في قمة السعادة ، فاستيقظت على ضجيجهم ، فالتزم الصمت وتنح عنهم وقم من فراشك مبتسما ، واغرب عن وجوههم بحجة من الحجج.
لأنك إن توقفت فستتوقف السعادة عن الهرولة ، وإن تنحيت عنهم فستمتلك غايتك ، فإن امتلكت غايتك جعلوك السيد الذي يسمع فيطاع ، ولا صوت يعلوا على صوته ، ولا رأي يسمع لغيره.
الشعبة الثالثة:- عدو ينغص عليك حياتك.
وهناك من يشعر باختفاء السعادة بسبب وجود عدو ينغص عليه حياته ، فعندما يظهر من هنا تأتيه التعاسة من هنا.
وللتخلص من شعور التعاسة عند رؤيته فعليك بما يلي.
أ – اللجوء إلى الله:- فتلجأ إلى الله سبحانه وتعالى ، وتسأله الصبر والسلوان ، وتستعيذ بالله من أن يقع ضرر من هذا العدو ، فحسبك الله ، فالله كافيك.
ب – مصاحبة الناجحين والسعداء:- وعليك بصحبة الكثير من الناجحين والسعداء ، فإن مصاحبتهم تنسي الهموم ، وتعالج القلوب ، وتعطي ثقة في النفس ، وتعرفك حقيقة عدوك.
ج – لا تأبه به:- وهذا بالطبع يكون بأن تجعل لنفسك أهمية في شيء ما فتتفوق فيه ، فتسلك طريق النجاح ، وتتقدم فيه خطوة إثر خطوة بدون تراجع أو هبوطا للعزيمة.
فهذا يجعلك سعيدا وذا دراية بمستقبلك ، وفي نفس الوقت تفوقت عليه أكثر فتشعره بحقارته من غير أن تتفوه.
د – إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون:- فإن جاءك ليحبط عزيمتك فيسخر منك ومن انجازاتك ، فعليك بأن تتذكر هذه المعادلة.
من ينجح يربح المعركة ، ومن يفشل يخسر سعادته فيتوارى عن رؤيتك.
هنا يجب عليك أن تقول:- إن تسخر مني فإني أسخر منك كما تسخر فسوف تعلم من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم.
وبعدها.
هـ – اجعل نجاحك ردا عليه:- واتركه مع فشله ليتحسر ، وزد على نجاحك نجاحا ، وانسه ، فإنك في يوم من الأيام ستتفاجأ بوجود شخص يأتيك يوقرك ويشعر بالسعادة لرؤيته لك ، ويخبرك بأنك الأفضل ، فتتفاجأ بأنه من كان عدوك البارحة.
الخاتمة
هذه هي رؤيتي المتواضعة لاختفاء السعادة ، قد بينت لك محاورها ، ووضحت لك طريق التخلص من التعاسة ، واستبدال السعادة عوضا عنها.
فاللهم احفظ علينا سعادتنا وأدمها ، ونعوذ بك من أن تتمكن التعاسة منا فتتلاعب بمشاعرنا وعقولنا فنصل بسببها لطريق غير طريقك المستقيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كتبه:- إبراهيم محمد إبراهيم الصياد.
تحريرا في مساء يوم الأربعاء:-
18 ذي الحجة 1439 هـ.
29 أغسطس 2018 م.
23 مسري 1734 ق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) {سورة البقرة: 155}.
(2) {سورة البقرة: 153}.
(3) {سورة البقرة: 153}.
(4) {سورة البقرة: 155 – 157}.
(5) {سنن أبي داود: 4985 ، وصححه الألباني في المشكاة (1253)}.
(6) {سورة النمل: 62}.
(7) {سورة التوبة: 51}.
(8) {رواه أحمد (6 / 68، 155) بإسناد صحيح، وقال الهيثمي في " المجمع " (10 / 173): " رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ".انظر إرواء الغليل - محمد ناصر الألباني - ج ١ - الصفحة ١١٥}.
(9) {سورة لقمان: 19}.
(10) {البخاري: 6116}.
(11) {رواه البخاري ، مسلم2610}.
(12) {سورة الرعد: 28}.
(13) {سورة آل عمران: 133 – 134}.
(14) {أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب من كظم غيظا (4/394)، رقم: (4779)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحلم (2/1400)، رقم: (4186)}.
(15) {سورة طه: 25 – 28}.
(16) {رواه مسلم - كِتَاب الْإِيمَانِ - باب الْحَثِّ عَلَى إِكْرَامِ الْجَارِ وَالضَّيْفِ وَلُزُومِ الصَّمْتِ إِلَّا عَنْ الْخَيْرِ}.
(17) {سورة القصص: 34}.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

شوقي رائد المسرحية الشعرية في أدبنا العربي الحديث

  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، والصلاة والسلام على المصطفى خير المرسلين، وشفيع ال...