الحب الوهمي
تمهيد:- كثير منا إذا سمع حديثا عن الحب خاصة بعد أن
يتزوج فإنه يسخر منه ، وإذا أتاه ابنه يرجوه أن يزوجه ممن أحب ، فإنه يعطيه محاضرة
عن أضرار الحب وعدم فائدته خاصة بعد الليلة الأولى من الزواج.
تُرَىَ ، لماذا يقع الضرر على الأبناء بسبب
هذه المحاضرة القاسية من الآباء؟ ، وماذا حدث في عقول الآباء لكي يقوموا بمحاربة
الحب لهذه الدرجة؟.
فإذا فكرنا في هذين السؤالين فإن إجابتنا
ستكون واحدة وموضحة ، لا لبس فيها.
لأن الإجابة هي أن الآباء قد اختاروا الحب
الوهمي طريقا.
فتعالوا بنا نتعرف على الحب الوهمي ، فنرى
صوره ، وأسبابه ، ونتائجه ، وهل هو عين سعادة الزواج أم أن هذه مبالغة يقوم بها
الجهلاء فحسب ، ولماذا يعطي أكثر الآباء تلك المحاضرة المعتادة عندما يريد الأبناء
بالزواج ممن يحبون؟.
فعلى بركة الله نبدأ ، وعليه نتوكل ، وبه
نستعين.
حقيقة الحب الوهمي
الحب الوهمي:- هو أن تعجب بطرف آخر لتحقيق رغبة تريدها.
أما عن الإعجاب دون الشعور
بالسكينة والاطمئنان:- فلأن الإعجاب لا يدوم لأحد ، ولأن الشعور بالسكينة
والاطمئنان لا يستقر في النفس إلا إذا كان هناك حبا صادقا ورغبة حقيقية في الزواج
ممن تحب.
وأما عن طرف آخر دون أداة
التعريف بأل:- فلأن هذا النوع من الحب لا يدوم لطرف واحد دائما بل
يتبدل الطرف الآخر مع مرور الأيام لتحقيق مصلحة ما.
أما عن تحقيق:- فهذا هو سبب شعورك بالانجذاب نحو الطرف
الآخر.
وأما عن الرغبة:- فهي تختلف من رجل لآخر ومن فتاة لأخرى ،
ومقدارها مقدار التربية والأخلاق الموجودة في الشخصية التي وقعت في شراك الحب
الوهمي.
وهذه الرغبة دائما ما تكون دونية فهي إما أن
تكون شهوانية أو مالية أو سلطانية.
أما عن اختصاص الإرادة فيك دون
الطرف الآخر:- لأنه من الممكن أن يكون الطرف الآخر قد أحبك حبا صادقا
ولم يرى وجهك الحقيقي بعد.
ومن هنا ندرك أن الحب الوهمي ما هو سوى خداع
، فإما أن يكون خداعا للنفس بأنك تحب الطرف الآخر صدقا وأنت لا تحبه في الحقيقة ،
وإما أن يكون خداعا منك للطرف الآخر لتحقيق الغاية التي تنشدها.
ولهذا الحب أوقات فتعالوا بنا نتعرف على
أوقاته.
أوقات الحب الوهمي
الوقت الأول:- الطفولة.
وفيه ترى الطفل يعجب بطرف آخر ، ويتمنى أن
يبادله الإعجاب.
وسبب وقوع الطفل في الحب الوهمي لا يكون بسبب
أنه يعلم بالحب الصادق ، بل لمجرد جمال أو نجاح أو مداعبة أو مرح أو كثرة اللعب مع
من أحب.
وليس شرطا أن يكون الطرف الآخر طفل مثله ، بل
من الممكن أن يكون أكبر منه سنا بل قد يصل الأمر إلى أن يكون حبه الوهمي بشخص سنه
كسن الوالدين بل أكبر من هذا.
وبعد أن يعجب بالطرف الآخر
فإنه يقوم بأحد شيئين:-
الأول:- أن يرى من هو أفضل منه في الميزة التي أحبها
في الطرف الآخر فيهجره ويبدل حبه بحب الطرف الآخر الحاصل على الأعلى مستوى في
الميزة التي يحبها طفلنا.
الثاني:- أن يتأثر بمن أحب جدا ولا ينوي الابتعاد عنه.
ولكن للأسف هذا التأثر لا يسمى بالحب الصادق
لأنك ستجد طفلنا يترك من أعجب به ويقوم بالإعجاب بشخص آخر عما قريب.
فتراه يقع في الاعجاب بطرف آخر مرارا وتكرارا
ويتعلق به.
ومن هنا نجد وجود قلة يتعلقون بطرف آخر محدد
ولا يودون نسيانه ما داموا على قيد الحياة ، فترى القلب لا يخفق لأحد فيما بعد
أبدا.
وهذا الذي وقع فيه طفلنا ليس عليه ذنبا فيه ،
وإنما ذنبه على البيئة المحيطة به.
لأن سبب دخول الحب الوهمي في عقل الطفل يكمن
في أن البيئة التي تحيط به تجعله يتعلق بطرف آخر في سنه وتخبره بأنه سيصبح زوجه عن
طريق المداعبة ، وهو يظن أن الأمر حقيقي ، بل يتخطى الأمر إلى أن يجعلوه يقوم
بتقبيلها وتقوم بتقبيله أو ما إلى ذلك ، فإذا ما أدرك الحقيقة في يوم فإنه سيقوم
بحب آخر ويعتاد على هذا الأمر إلى أن يظن في نفسه أن الحب الصادق ليس موجودا في
هذه الدنيا وإنما هي مصالح وشهوات.
ومن هنا نعلم أن الحب الوهمي يأتي في مرحلة
الطفولة بأشكال متعددة ولا يكون لشخص محدد.
الوقت الثاني:- المراهقة.
وبعد أن يصير طفلنا في وقت المراهقة فإننا
نجد أن الحب الوهمي اختلف قليلا عن ما مضى.
لأنه:- قد شعر بتكوين شخصيته ، وقد أصبح ذا مسئولية
تجاه نفسه وعائلته ، خاصة إن أدرك حقيقة عائلته.
هذا الشعور إن أردنا أن نضع له مسمى فلن نجد
أفضل من مسمى الاستقلالية.
فإن صاحبنا ينظر إلى حاله ، ويتسائل عن نجاحه
في أمور وفشله في أمور أخرى ، وينظر إلى امكانياته ، ويتعرف على حقيقة عائلته
وحقيقة مساعدتهم له.
وحينئذ يختار لنفسه خليلا ليفشي له أسراره
فإما أن يكون من عائلته وإما أن يكون من خارج العائلة.
فإن انتهى من هذه الخطوة فإنه ينظر إلى حياته
المستقبلية ، ويتسائل عن مصيره ، وهل سيصبح من الأثرياء أم لا؟ ، ومن سيكون عائلته؟.
فإن كان صديقنا ممن أدركوا حقيقة الدنيا ، ونشئوا
على العلم والأخلاق وحب الإصلاح فإن الحب الصادق سيكون له هدفا وغاية ، أما إن كان
قد تربى تربية يخجل منها من رباه فإن الحب الوهمي سيكون له مصيرا.
بعيدا عن هذا كله:- إن أصبح طفلنا في سن المراهقة فإنه سيضع
لنفسه مواصفات ثابتة للطرف الآخر ، فإن كان ممن يخططون وينفذون ويصابرون فإنه
سيتصدى للحب الوهمي قبل أن يتمكن منه.
أما إن شعر باليأس أو شيئا من هذا القبيل
فإنه إن رأى بعض المواصفات تكمن في شخصية ما وليست كلها فإنه سيقع فريسة للحب
الوهمي ، وغالبا ما تكون الصفة التي يقع بسببها في شراك الحب الوهمي صفة الجمال
والوسامة.
أما عن اختلاف هذا التوقيت عن سابقه فإنه
يكمن في أن صاحبنا يضع حدا فاصلا في عدد من يقع فريسة له ، ويحاول كل المحاولة بأن
يكون شخصا واحدا وليس أكثر من شخص.
ولكنه يفشل لأنه الآن كا الطفل فإن رأى من
كان أعلى درجة في الصفة التي وقع فريسة بسببها للحب الوهمي في شخص آخر ، فإنه يترك
ما أعجبه من الشخص الأول ويلهث وراء الشخصية الأخيرة.
وتراه يكذب على نفسه بأنه لا يحب حبا وهميا ،
بل حبه صادق ونابع من القلب.
ولذلك تراه لا يذكر حبه الوهمي لأي أحد إلا
للشخص المقرب منه ويثق فيه ثقة عمياء.
ولكن كذبته التي يريدها أن تصبح حقيقة تقف
عاجزة إذا رأى شخصية أعلى درجة في الصفة التي وقع بسببها في حبه الوهمي ، لأنه
يترك الشخص الذي ظن أنه قد أحبه ، ويدخل في مصيدة حب وهمي جديد مع الشخصية الأجدد.
ومما يزيد الأمر سوءا كون حبه غير متبادل ، فإنك
تراه هنا يكذب على نفسه أكثر فأكثر ويؤلف على عقله قصة خياليه.
هذه القصة الخيالية مقصدها أن حبه ليس وهميا
وإنما صادقا ، وهذا ما يزيد الأمر تعقيدا على نفسيته في التوقيت الذي يلي.
الوقت الثالث:- اختيار العائلة له.
وبعدها يأتي وقت اليأس من حبه القديم في فترة
مراهقته لسبب من الأسباب ، وغالبا ما يكون السبب زواج محبوبته برجل غيره.
فتراه حينما يقال له: ألَا تتزوج؟
يكون جوابه لأقربائه:- اختاروا لي من تناسبني في حالتي الاجتماعية
والمالية وسأتزوجها.
ومن هنا يكون الزواج عادة ولا يدرك العقل في
هذا السن الخطير حقيقة الزواج ومسئوليته الكبيرة.
ومما يزيد الأمر سوءا:- كون الطرف الآخر أغنى منه فيشعر بالانكسار
خاصة إن كان هذا الطرف يأوي إلى ركن شديد ، ولن يستفيد شيئا سوى الإسراف في المال
بل اضاعته.
وإن كان أعلم منه فستقابله
سخرية عندما يقال له من الطرف الآخر أثناء شجارهما في يوم:- وماذا أنتظر من جاهل مثلك غير هذا؟.
وإن كان الزواج شيد على مصلحة محددة مستقبلية
فإن الذل والانكسار سيبقى ما بقيت الرغبة في المصلحة.
ولكن رحمة ربك لا تنسى أحدا فحين يرى العروسان
بعضهما ويتعرف كل منهما على الآخر ، فإنك تراهما يظنان أن قد عشقا بعضهما ، وأنهما
في حالة حب شديدة ، ولكن الظن لا يغني من الحق شيئا ، إلا أن الله سبحانه يجعل
بينهما المودة والرحمة وتزدادان يوما بعد يوم خاصة بعد ظهور أول مولود لهما.
قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ
أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً
ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)}.(1)
فإن كان زواج الشخص عادة فإن الحكم على الحب
سينقسم إلى آراء.
الرأي الأول:- الحب يأتي بعد الزواج.
فأصحاب هذا الرأي لم يفرقوا بين الحب الصادق
والحب الوهمي أو لا يعرفون أن الحب ينقسم إلى هذين القسمين ، وأخذوا يحكمون بهذا
الحكم لأنهم فشلوا في حبهم الوهمي ، وتعاونوا على البر والتقوى بعد زواج العادة
فكانت المعاشرة بالمعروف قصة زواجهم.
الرأي الثاني:- الحب ليس له فائدة.
فتراهم يخبروك بأن الحب ما هو إلا حزن وغم
وفقر ولا يطعمك ولا يكسوك.
وهؤلاء أخبروك بهذا الرأي لأنهم عاشوا مع
الحب الوهمي قبل الزواج ، وبعد اختيار شريك الحياة ظنوا أنهم قد أحبوا حبا صادقا
مع أنهم تزوجوا لمصلحة ما ، وفشلوا في زواجهم لأنهم ظنوا أنهم قد تزوجوا عن حب ،
أو بعبارة أوجز ، تفاجأوا بمسئولية الزواج فلم يكونوا أهلا له.
الرأي الثالث:- ليس هناك شيئا يسمى الحب.
فتراهم يخبروك بأن الحب لا وجود له ، ولكن
المصلحة هي عين الحب.
وهؤلاء حكموا على الحب بهذه الطريقة لأنهم لم
يحبوا قط ، فقد ابتلوا في هذه الدنيا بما لا طاقة لهم به ، فرأوا الدنيا على أنها
غابة كبيرة ملئية بالحيوانات المتوحشة ، يأكل بعضهم بعضا.
هذه هي الآراء الثلاثة التي يحكم بها المرء
على الحب بعد أن يتزوج زواجا عاديا ، ويشاركهم في الرأي جماعة ممن أحبوا حبا صادقا
لا لأنهم فشلوا في قصة حبهم ، بل لأن لهم مصالح شخصية تجعلهم يقومون بزواج أبناءهم
على أساس العادة وليس الحب ، وهذا بسبب أن الإنسان كلما يكبر كلما يخسر شيئا من
براءته.
ولذا عندما يولد لأصحاب الآراء الثلاثة مولود
، وحينما يكبر ويحب حبا صادقا وليس حبا وهميا ، ويقرر بأن يتشجع ويذكر مشاعره
لوالديه ليساعدوه ، فإنه بالطبع سيسمع محاضرة عنوانها الرأي الذي يميل له الوالدان
من الآراء الثلاثة.
وهذه المحاضرة ستطول ، هذا إن
كان عند الوالدين شفقة لابنهم ، أما إن لم يكن عندهم شفقة بأحساسيسه فإنهم
سيختاروا أحد طريقين:-
السخرية والاستهزاء وانتهاك الكرامة – العداء التام إن لم يذعن لرأيهم.
هذه هي أشهر ثلاث توقيتات للحب الوهمي الذي
يأتي لأغلب البشر ، ومن هنا يتوقف قليلا ، ولا يستأنف طريقه مع أحد إلا قليلا لأنه
سيتخلى عن أكثر الأفئدة ولا يأتي بعدها إلا لقلة قليلة تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى.
الوقت الرابع:- بعد الزواج.
إن البشر بعدما يتزوجون فإن أمور الدنيا
تشغلهم عن الحب ، فما الحب عندهم سوى نزهة عاشوها وانتهى ميعادها ، لدرجة أن بعض
من تزوج زواجا كان بنيانه الحب الصادق يذكر الحب على أنه زمن وولى.
أما عن أغلب النساء فإنهن قد فضلن الاستقرار
وغلق باب الحب نهائيا ، وأن الرجال بالنسبة لهن أصبحوا كالأخوة لا شيء آخر.
وأما أغلب الرجال فإنهم يفعلون ذلك ولكن
العين الخائنة لاتتركهم.
وهناك قلة قليلة ممن تزوجوا يأتيهم الحب
الوهمي مرة أخرى ، ولكن في توقيت عجيب ، ألا وهو توقيت ما بعد الزواج.
كيف ذلك؟ ولماذا يا ترى؟
الإجابة تكمن في أسباب ثلاث.
السبب الأول:- زواج المصلحة.
فزواج الصالونات المبني على التفاخر بين
الناس بالمال والنسب فقليلا ما يدوم.
ومن الممكن أن يتسبب في يوم من الأيام لفراغ
القلب من العاطفة ، فيبحث القلب بعدها عن ما يملأ فراغه.
السبب الثاني:- اجبار أحد الطرفين على الزواج من الآخر.
فالزواج الذي يختل فيه أحد ركنيه ، وهو
الإيجاب والقبول يتسبب في عواقب وخيمة لا يصدقها عقل ولا يدركها حس ، فقليلا فقط
من يعيش مستقرا بعد حياته الزواجية على هذا النحو ، وكثيرا من يحب حبا وهميا بعد
الزواج لذلك السبب.
السبب الثالث:- اكتشاف حقيقة الطرف الآخر.
أحيانا يكون زواج العادة مبني على مسرحية
يصنعها أحد الطرفين ، فيظهر أحد الطرفين أنه يفعل الحلال ويضع حدا فاصلا بينه وبين
الحرام إلى غير ذلك.
ولكن تكتشف المسرحية بعد الزواج فإما أن
تستمر العلاقة الزوجية وإما أن لا تستمر وإما أن يبحث القلب عن ما يملأ فراغه.
ومن هنا ندرك أن الحب الوهمي الذي يأتي بعد
الزواج أساسه فراغ القلب من العاطفة ووجود آخر بعدها فيه من الصفات التي كانت
تتمنى قبل الزواج.
فمقصد هذا الحب هو امتلاء القلب من الغاية
التي يريدها بدلا من الفراغ الكائن فيه فإن امتلأ فلن يدوم.
لأن هذا الحب الوهمي إما أن يكون كذبة على
النفس بأنه يحب الشخصية الجديدة وهو لا يحبه ، وإما أن يكون لمصلحة ما ، فالإنسان
كلما كبر من العمر كلما فضل المصلحة الخاصة على سعادته.
وللحب الوهمي وقتين جديدين يأتي فيهما لفئتين
من البشر لأسباب موحدة لا شقاق بينهم.
الوقت الخامس والسادس:- بعد الطلاق وبعد موت الطرف الآخر.
أما عن سببيه الموحدين فهما:-
السبب الأول:- الوحدة:- فالوحدة داء مميت ، يسبب لك كره الحياة ، والعيش
بأفكار تخالف الواقع.
ومن الناس من يأتيهم الحب الوهمي في هذين
التوقيتين من أجل أن يبددوا وحدتهم التي يعايشونها.
السبب الثاني:- الأطفال في سن
الصغر:- وهذا السبب إما أن يكون حجة للحب الوهمي وإما أن يكون غاية لبعضهم.
فالحجة أمام الناس تكمن في:- الرعاية والعناية الكاملة الشاملة للأطفال التي
فقدوها بعد ما حدث الذي حدث.
ومن هنا ندرك أن الكذبة التي كان يصدقها
الإنسان في الماضي مع الحب الوهمي تختلف كثيرا عن ما مضى لأنه هنا يصدق كذبته بحجج
وبراهين.
فبالنسبة لمن يحب حبا وهميا بعد الطلاق:- فإنه يجعل
هناك شروط ومواصفات للحب الجديد ، فيجدها بعد وقت في شخص يقابله ، فيظن أنه قد
أحبه وهو لم يحبه ، بل أحب فيه هدفا محددا فيريده منه.
وبالنسبة لمن يحب حبا وهميا بعد وفاة الطرف الآخر:- فإنه يزيد على هذه الشروط والمواصفات أمورا
كان يتسم بها المتوفى.
وتراهما يجتمعان على أن لا مفر من حبهما
الوهمي الجديد لوجود الأطفال الذين يحتاجون الرعاية والعناية والتخلص من شعور
الفقد إلى غير ذلك.
وتزداد الكذبة قوة عندما يأتي من حولهم
لينصحوهم بالزواج.
وهذا الحب الوهمي نهايته زواجا مشيدا على
المصلحة ، أو عدم رضا الطرف الآخر بشخصيتنا.
الوقت السابع:- المراهقة المتأخرة.
وهذا له أسباب:-
أ – الوحدة:- فمن الناس من يأتيهم
حب المراهقة المتأخرة من أجل أن يبددوا وحدتهم التي يعاصرونها.
ب – المساعدة:- فإنهم الآن يريدون من يرعاهم ، فيحتاجون لمن يعطيهم
الدواء إلى غير ذلك من أمور معيشية.
ج – الميراث:- وهناك من يرحب بالحب الوهمي لأخذ الميراث بعد
وفاة الطرف الآخر الذي يراه يموت قريبا.
ومن هنا نعلم أن مصير الحب الوهمي في هذا
التوقيت زواج العادة لتحقيق أهداف محددة وغاية واضحة.
هذه هي أوقات الحب الوهمي السبعة التي يؤدي
بعضها إلى زواج المصلحة أو يؤدي إلى الطلاق أو يؤدي إلى الخراب والضياع.
ومن هنا يتساءل المرء عن أسباب الحب الوهمي
فيفكر ويفكر ولا يدري الإجابة.
وهذا سببه راجع لأنه لم يعش يوما مع الحب
الصادق ، أما إن كان أحب حبا صادقا فسرعان ما سيدرك الإجابة.
أسباب الحب الوهمي
وللحب الوهمي أسباب ثلاثة:-
1 – الخلل في الاختيار:-
وعدم الاختيار الصحيح له
حالتان:-
أ – عدم
اختيار من كانت في حالتك:- أي في حالتك الاجتماعية والمالية والعلمية ،
وهو المعروف في الفقه الإسلامي باسم:{الكفاءة}.
فإذا كنت فقيرا وتزوجتها وهي غنية ولم يكن
هناك حب بينكما ، نزلت المصائب عليك تترى ، مشكلة إثر مشكلة.
وإذا كنت عالما وهي من بيت جهلاء ، لحدثت بعض
المشاكل بسبب عدم التفاهم.
وإذا كنت وقورا وهي من بيت رئيس عصابة ، لحدث
الكثير من المشاكل والدمار للنفس.
ب – عدم اختيار من لم تكن أوصافها أوصافك:-
فإذا كنت قد اخترت فتاة جل طموحها أن يكون
شريك حياتها طويل بعض الشيء ، عيناه زرقاوتين ، شديد سواد الحواجب ، أبيض البشرة ، فأنتما من جنيتما على نفسيكما ، فكيف
بكما تندمان بعدها؟.
2- كان الزواج عن مصلحة لا عن حب:-
أي:- كان هناك سبب غير المودة والرحمة في الزواج.
فإما أن يكون الزواج مبني على التفاخر أمام
الناس بالنسب أو المال.
أو كان الزواج مبني على سرقة مال الزوج أو
الزوجة بسبب الإرث ، الذي سيرثه أحد الزوجين بعد وفاة الأب.
أو ما شابه ذلك.
3 – عدم الشعور بالمسئولية:-
أي:- تخلي أحد الزوجين عن المعاملة القائمة على
أساس المودة والرحمة ، والتفرغ لإشباع الذات من الشهوات الدنيوية ، التي تجعل
الإنسان لا يشعر بأي مسئولية.
ومن ذلك ترك أحد الزوجين الاهتمام بأمور
بعضهما ، أو ترك الزوج العمل ، أو ما شابه ذلك.
فإذا أردنا أن نجمع هذه
الأسباب الثلاثة في سبب واحد فإنه في:- عدم اتباع منهج كتاب الله والدعوة المحمدية.
وعدم اتباع منهج كتاب الله
وسنة رسوله يكون على قسمين:-
أ – قبل الزواج:-
بأن يكون هناك اسراف أو تقتير في تكلفات
الزواج ، أو أن يكون قد اختل ركن من أركان الزواج وهو الإيجاب والقبول ، أو ما
شابه ذلك.
ب – بعد الزواج:-
وهو أن لا يؤدي أحد الزوجين الحقوق الواجبة
من نفقة ، أو تربية الأولاد ، أو غلق باب المودة والرحمة ، أو ماشابه ذلك.
فإذا علمت الأسباب فاسأل من أحب حبا وهميا عن
الحب عامة فحتما ستراه لم يفرق بين الحب الصادق والحب الوهمي وتراه يبغض الحب بغضا
لا تتصوره أنت.
ولذلك نراك تتسائل بعدها عن السبب الذي جعله
يبغض الحب عامة والطرف الآخر بجنسه كله خاصة.
لماذا يكره الإنسان الحب؟
الجواب:- لأنه اختار الحب الوهمي ، والحب الوهمي ليس
طريقا مستقيما موصلا إلى الغاية ، بل هو مجموعة من الطرق المتشعبة التي توصل إلى
الضياع في النهاية ، وبغض الحياة.
فإن صديقنا بعد أن يختار هذا النوع من الحب
يتفاجأ بوجود مسئولية ضخمة تناشده فإن كان أهلا لها فسترهقه ، إلى أن لا يصدق ذلك فيشعر
بالضياع ، وإن لم يكن أهلا لها فسيهرب منها فيعم الخراب.
ومن هنا يقع الضرر على أولادنا إن هم أحبوا
حبا صادقا في يوم من الأيام بعد بلوغهم سن الشباب ، فإنهم سيستمعون إلى محاضرة ليس
لها أي فائدة غير أنه سيتعرف بسببها على حقيقة عقل والديه.
فلكي يقي نفسه من سماع تلك المحاضرة التي
ليست لها أية أهمية ، يجب عليه أن يكون أهلا لتحمل المسئولية في البداية ويخطوا
معي تلك الخطوات الثلاثة من بداية اختياره إلى نهاية الطريق.
أما عن بداية اختياره فإن عليه أن ينظر إلى
طريقه الذي سار فيه وينظر إلى أول خطوتين من الخطوات الثلاثة فإن كان قد قام بهما
فلا حرج عليه ، وإن لم يقم بهما فعليه بأن يخطوهما.
الخطوة الأول:- الدعاء.
فهذه أول خطوة يجب عليك أن تخطوها ، فعليك بأن تدعوا ربك بأن يرزقك الزوجة الصالحة ،
التي إذا نظرت إليها سرتك ، وإذا أمرتها أطاعتك ، وإذا غبت عنها حفظتك في مالك
ونفسها.
الخطوة الثانية:- الحب الصادق.
فالحب الصادق هو سعادة الزواج ، وراحة
المستقبل ، وتربية جيل يحافظ على القيم والمبادئ ، فترى الأمة بسببه قد نهضت وبه
تستمر.
فإن أحببت حبا صادقا فعليك بشيء واحد قبل أن تخطو
الخطوة الثالثة.
ألا وهو:- الاستخارة.
فصلي لربك واذكر له اختيارك لحبيبك.
وقل:- اللهم إن كنت تعلم أن الزواج بمن اخترتها خير لي في ديني
ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي ، ويسره لي ، ثم بارك لي فيه.
وإن كنت تعلم أن
الزواج بمن اخترتها شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفه عني
واصرفني عنه ، واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي
الله عنهما، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ
فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ يَقُولُ:
((إِذَا
هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ
لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ،
وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ
وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ
هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ:
عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي
فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي
وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي،
وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي به ))، قَالَ: ((وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ)).(2)
فإن شعرت بقبول الأمر فتوكل على الله واخطوا
الخطوة التالية.
الخطوة الثالثة:- أن تكون أنت صاحب القرار وليس لأحد سلطانا
عليك.
بمعنى أن تكون أنت الشخص الوحيد الذي يختار
طرفه الآخر ، لا أهلك ولا عشيرتك ، فكن أنت ولا تكن كما يريدون.
فقط الثقة في اختيارك المبني على شروط الحب
الصادق ستكون سلاحك إن تحدوك ، وبه ستنتصر.
ولا أقصد من كلامي أن تقلل من احترامك
لعائلتك ، بل عليك فقط أن توضح لهم وتسعى في الأمر وتجعل لك نصيرا من العائلة ،
وإياك وسوء الخلق وسوء الأدب في حديثك معهم ، بهذا أنت من ستربح بإذن الله وتتزوج
بمن أحببت.
الخاتمة
هذه هي نظرتي المتواضعة في موضوع الحب الوهمي
، قد كتبت لكم فيه رؤية الناس للحب ، وحكمهم عليه من خلال ما رأيته من سير من
تزوجوا وطلقوا وأحبوا ففشلوا.
فاللهم إنا نعوذ بك من الحب الوهمي ومن ضرره
، ونسألك اللهم الحب الصادق ، لكي نسعد.
فيا ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة
أعين واجعلنا للمتقين إماما.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.
كتبه:- إبراهيم محمد إبراهيم الصياد.
تحريرا في مساء يوم الثلاثاء:-
الأول من شهر الله المحرم سنة ألف وأربعمائة
وأربعون من الهجرة.
الحادي عشر من سبتمبر سنة ألفين وثمانية عشر
من الميلاد.
الأول من توت سنة ألف وسبعمائة وخمس وثلاثون
من التاريخ القبطي.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) {سورة الروم: 21}..
(2) {أخرجه البخاري: 1162، 6382، 7390}.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق